الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

وأما القاتل الضامن : فكل قاتل ضمن نفس مقتول ، فعليه الكفارة ؛ سواء كان صغيرا أو كبيرا ، عاقلا أو مجنونا ، مسلما أو كافرا ، حرا أو عبدا . وقال أبو حنيفة : لا كفارة على الصبي والمجنون : احتجاجا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى ينتبه ، ولأنها عبادة شرعية لا يدخلها التحمل ، فلم تجب على الصبي والمجنون كالصلاة والصيام ، ولأنها كفارة فلم [ ص: 64 ] تجب على الصبي والمجنون قياسا على كفارة الظهار والأيمان ، ولأنه حكم يتعلق بالقاتل لا يتحمله غير القاتل ، فلم يجب على الصبي والمجنون كالقصاص .

ودليلنا قوله تعالى : ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة فكان على عمومه ، والصبي والمجنون وإن لم يتوجه إليهما الخطاب مواجهة كقوله تعالى : وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة توجه إليهم خطاب الالتزام . والكفارة خطاب التزام فتوجه إلى الصبي والمجنون كالدية : ولأنه قاتل ضامن فوجب أن تلزمه الكفارة كالبالغ العاقل ، ولأنه حق مال يجب بالقتل ، فوجب أن يستوي فيه الصغير والكبير والعاقل والمجنون كالدية ، ولأن الكفارة أوكد من الدية : لأنها تجب على قاتل نفسه ، وعلى السيد في قتل عبده ، وإن لم تجب عليهما الدية ، فلما وجبت الدية على الصبي والمجنون كان أولى أن تجب عليهما الكفارة . فأما الجواب عن قوله : " رفع القلم عن ثلاث " : فهو أن رفع القلم عنهم لا يمنع من وجوب حكم القتل في أموالهم ، كما لم يمنع من وجوب الدية ، وكما لا يمنع النائم إذا انقلب على إنسان فقتله من وجوب الدية مع الكفارة .

وأما قياسهم على الصلاة والصيام : فمنتقض بوجوب الغرم ، وجزاء الصيد ، ثم المعنى في الصلاة والصيام : أنهما عبادتان على البدن ، والكفارة حق في المال فافترقا كما افترق القصاص والدية . وأما قياسهم على كفارة الأيمان مع انتقاضه بجزاء الصيد ، فالمعنى فيه : أنه لما لم تصح منهما الأيمان لم يلزمهما كفارتهما ، ولما صح منهما القتل لزمتهما كفارته .

وأما قياسهم على القصاص ، فالمعنى في القصاص : أنه حق على بدن فسقط عنهما كالحدود ، والكفارة حق في مال فلم تسقط عنهما كزكاة الفطر وجزاء الصيد . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية