الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 70 ] باب لا يرث القاتل

من كتاب اختلاف أبي حنيفة وأهل المدينة

مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " قال أبو حنيفة : لا يرث قاتل خطأ ولا عمدا إلا أن يكون مجنونا أو صبيا فلا يحرم الميراث : لأن القلم عنهما مرفوع . وقال أهل المدينة : لا يرث قاتل عمد ولا يرث قاتل خطأ من الدية ، ويرث من سائر ماله . قال محمد بن الحسن : هل رأيتم وارثا يرث بعض مال رجل دون بعض ؟ إما أن يرث الكل أو لا يرث شيئا . ( قال الشافعي ) رحمه الله : يدخل على محمد بن الحسن أنه يسوي بين المجنون والصبي وبين البالغ الخاطئ في قتل الخطأ ، ويجعل على عواقلهم الدية ويرفع عنهم المأثم ، فكيف ورث بعضهم دون بعض وهم سواء في المعنى ؟ ( قال ) : ويدخل على أصحابنا ما دخل على محمد بن الحسن ، وليس في الفرق بين قاتل خطأ لا يرث ، وقاتل عمد خبر يلزم ، ولو كان ثابتا كانت فيه الحجة . ( قال المزني ) رحمه الله : المعنى : تأويله إذا لم يثبت فرق أنهما سواء في أنهما لا يرثان . وقد قطع بهذا المعنى في كتاب قتال أهل البغي ، فقال : إذا قتل العادل الباغي ، أو الباغي العادل ، لا يتوارثان : لأنهما قاتلان ، قال : وهذا أشبه بمعنى الحديث " .

قال الماوردي : وهذا قد مضى في كتاب الفرائض ، وذكرنا اختلاف الفقهاء في ميراث القاتل ، فذهب الشافعي رضي الله عنه : أنه لا يرث قاتل عمد ولا خطأ ، سواء جرى عليه القلم بالبلوغ والعقل ، أو رفع عنه القلم بالصغر والجنون .

وقال أبو حنيفة : لا يرث قاتل عمد ولا خطأ إن جرى عليه القلم ، ويرث إن رفع عنه القلم . وقال مالك : لا يرث قاتل العمد وإن رفع عنه القلم ، ويرث الخاطئ من المال دون الدية ، وإن جرى عليه القلم . فرد محمد بن الحسن على مالك هذا القول ، وقال : هل رأيتم وارثا يرث بعض مال رجل دون بعض ؟ إما أن يرث الكل أو لا يرث شيئا . وهذا رد صحيح من محمد بن الحسن على مالك ؛ حيث ورث الخاطئ من المال دون الدية ، وكلاهما مال للمقتول يقضي منهما ديونه وتنفذ منهما وصاياه . فإن انتفت التهمة عن الخاطئ ورث الكل ، وإن تحققت التهمة منع الكل ، ولم يجز تبعيض المال في الميراث ، [ ص: 71 ] فيرث بعضا ويمنع بعضا ، كما أن المبتوتة بالطلاق في المرض ، لما لحق الزوج التهمة في منعها من ثلثي ماله : لأن الثلث غير متهوم في منعها منه : لأن له أن يمنع منه كل وارث ، فلم يلحق الزوج تهمة في منعها منه ، وقد كان يقتضي على قياس قوله أن يورثها ثلثي ماله ، ولا يورثها من الثلث : لاختصاص التهمة بالثلثين دون الثلث ، وقد أجمعت الأمة على إبطال هذا التبعيض ، وكانوا في توريثها على قولين : فمن ورثها منهم ، ورثها جميع المال ، وإن كان غير متهوم في بعضه . ومن لم يورثها ، منعها جميع المال وإن كان متهوما في بعضه ، فبطل بهذا الإجماع تبعيض المال لميراث الخاطئ ، ثم إن الشافعي رد على محمد بن الحسن فيما ذهب إليه أبو حنيفة من توريث من رفع عنه القلم دون من جرى عليه القلم : لأن الصبي والمجنون قد شاركا الخاطئ في وجوب الدية ، وشاركهما الخاطئ في ارتفاع المأثم ، فصاروا جميعا سواء في الحكم والعلة ، فهلا صاروا سواء في الميراث في أن يرثوا أو لا يرثوا ؟ وكيف فرق بينهم في الميراث وقد تساووا في سببه ، وهذا التكافؤ في الاعتراض دليل على فساد المذهبين ، ويصح ما ذهب إليه الشافعي من منع كل قاتل من الميراث : لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : القاتل لا يرث .

وقال : ليس لقاتل شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية