الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن كان الجرح هاشمة أو مأمومة ، لم أقبل أقل من شاهدين : لأن الذي شج إن أراد أن آخذ له القصاص من موضحة فعلت : لأنها موضحة وزيادة " .

قال الماوردي : أما دون الموضحة من شجاج الرأس فيقبل فيه - عمدا كان أو خطأ - شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين : لأنه لا قصاص في عمده ، وأما الموضحة فلا يقبل فيها [ ص: 74 ] - إذا كانت عمدا - إلا شاهدان : لأنها موجبة للقصاص . فإن قيل : إذا أقام في عمدها شاهدا وامرأتين ، أو شاهدا ويمينا ، هلا حكمتم له بالدية وأسقطتم القود ؟ كالسرقة إذا شهد بها شاهدان حكم فيها بالقطع والغرم ، وإن شهد بها شاهد وامرأتان أسقط القطع وحكم بالغرم . قيل : لا ، لفرق منع من الجمع بينهما ؛ وهو أن الغرم والقطع في السرقة حقان يجمع بينهما لاختلاف مستحقها ، وليس أحدهما بدلا من الآخر ، فجاز أن يفرد كل واحد منها بحكمه ، والقصاص والأرش في الموضحة حق وجب بسبب واحد لمستحق واحد ، أحدهما بدل من الآخر ، فشاركه في حكمه ، فلم يجز أن يثبت أحدهما مع انتفاء الآخر فافترقا .

وأما ما فوق الموضحة من الهاشمة والمنقلة والمأمومة ، فقد جمعت هذه الشجاج بين ما فيه قصاص ، وهو الإيضاح ، وبين ما ليس فيه قصاص ، وهو الهشم والتنقيل ، ففيها للشافعي قولان :

أحدهما : وهو المنصوص عليه في هذا الموضع ، أنه لا يقبل فيها إذا كانت عمدا إلا شاهدان : لأن فيها إيضاحا يستحق فيه القصاص لمن طلب .

والقول الثاني : قاله في كتاب الشاهد واليمين ، أنه يقبل فيها شاهد وامرأتان ، وشاهد ويمين : لأنه لما قبل ذلك فيه إذا انفرد عن الإيضاح لم يمتنع قوله فيه إذا اقترن بالإيضاح ، وصار الإيضاح ملحقا به في سقوط القصاص : لمشاركته له .

التالي السابق


الخدمات العلمية