الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو شهد أحدهما أنه قتله ، والآخر أنه أقر بقتله ، لم تجز شهادتهما : لأن الإقرار مخالف للفعل " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا أقام ولي الدم شاهدين ، شهد أحدهما على فعل القتل ، فقال : رأيته قتله . وشهد الآخر على الإقرار بالقتل ، قال : أقر عندي أنه قتله . لم [ ص: 80 ] تتعارض شهادتهما : لأنها غير متنافية ولم تتم الشهادة منهما : لأنها غير متماثلة : لأن فعل القتل غير الإقرار بالقتل ، ولم تكمل الشهادة على الفعل ولا على الإقرار ، فلم يجز أن يحكم عليه بواحد منها ، لكن يكون هذا لوثا يوجب القسامة قولا واحدا : لأن كل واحدة من الشهادتين مقوية للأخرى غير منافية لها ، وإذا كان كذلك لم يخل حال القتل من أن يكون عمدا أو خطأ ، فإن كان خطأ لم يحتج فيه إلى القسامة : لأنه قد تتم البينة فيه بشاهد ويمين ، فيقال لولي الدم : احلف مع أي الشاهدين شئت يمينا واحدة ، تكمل بها بينتك ويقضى لك فيها بدية الخطأ .

وينظر فإن حلف مع الشاهد على فعل القتل كانت الدية على عاقلته ، وإن حلف مع الشاهد على إقراره بالقتل ، كانت الدية في ماله ، وإن كان القتل عمدا فعلى ضربين :

أحدهما : أن يكون غير موجب للقود ؛ كقتل الأب لابنه والمسلم لكافر ، فهو مختص بوجوب الدية ، ويصير كالخطأ في أن لا يحكم فيه بالقسامة : لوجود البينة مع يمين الولي مع أي الشاهدين يمينا واحدة ، ويحكم له بدية العمد في ماله ، سواء حلف مع شاهد الفعل أو مع شاهد الإقرار .

والضرب الثاني : من العمد أن يكون موجبا للقود ، فيجب الحكم فيه بالقسامة دون الشهادة : لأن الشهادة تصير لوثا ، فيحلف الولي أيمان القسامة خمسين يمينا ، ويحكم له بالقود على قوله في القديم ، وبدية العمد حالة على قوله في الجديد ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية