الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

فإذا ثبت رد شهادتهم بالجرح فهم ضربان :

أحدهما : أن يكونوا عند الشهادة بوصف من يتحمل الدية : لوجود شرطين : قرب النسب ، ووجود الغنى ، فهؤلاء هم المردود شهادتهم بالجرح .

والضرب الثاني : أن يكونوا عند الشهادة بوصف من لا يتحمل الدية ، وهم صنفان :

أحدهما : من لا يتحملها لفقر .

والثاني : من لا يتحملها لبعد نسبه ووجود من هو أقرب نسبا . فإن كان ممن لا يتحملها لفقره .

قال الشافعي : لم تقبل شهادته بالجرح . وإن كان ممن لا يتحملها لبعد نسبه ووجود من هو أقرب منه . قال الشافعي : قبلت شهادته بالجرح . فاختلف أصحابنا في اختلاف نصه فيها على وجهين : [ ص: 86 ] أحدهما : وهو قول المزني وطائفة من متقدمي أصحابنا : أن حملوا ذلك فيهما على اختلاف قولين :

أحدهما : أنه لا تقبل شهادة من لا يتحملها لقرب نسبه ، وتقبل شهادة من لا يتحملها لبعد نسبه على ما نص عليه في بعد النسب : لأنهما جميعا عند شهادتهما بوصف من لا يتحمل العقل ، فلم يتوجه إليهما عند الشهادة بالجرح تهمة يجران بها نفعا ، أو يدفعان بها ضررا . والقول الثاني : أنه لا تقبل شهادة من لا يتحملها لبعد نسبه ولفقره ، ولا شهادة من لا يتحملها لبعد نسبه : لأنهما قد يجوز أن يصيرا عند الحول ممن يتحملها لاستغناء الفقير وموت من هو أقرب من ذي النسب البعيد ، فيصيرا دافعين عن أنفسهما تحمل العقل بشهادتهما فهذا أحد الوجهين .

والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وأبي علي بن أبي هريرة وكثير من متأخري أصحابنا : أنه ليس ذلك على اختلاف قولين . والجواب على ظاهره في الموضعين : فلا تقبل شهادة من لا يتحملها لفقره ، وتقبل شهادة من لا يتحملها لبعد نسبه على ظاهر نصه . والفرق بينهما أن الفقير معدود من العاقلة في الحال ، لقرب نسبه ، وإن جاز أن لا يتحمل العقل عند الحول لبقاء فقره . والبعيد النسب غير معدود من العاقلة في الحال ، وإن جاز أن يتحمل العقل عند الحول ، وبموت من هو أقرب فافترق معناهما فكذلك ما افترقا في الشهادة ، وجمع المزني بين معناهما ؛ ولذلك ما جمع بينهما في الشهادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية