الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

فإذا ثبت أنه يقدم قبل قتالهم سؤالهم عن سبب بغيهم واعتزالهم عن الجماعة ، ثم مناظرتهم في حل ما اشتبه عليهم ، فمتى أمل رجوعهم إلى الطاعة ودخولهم في الجماعة بالقول والمناظرة لم يتجاوزه إلى القتال ، وإن يئس من رجوعهم بعد كشف ما اشتبه عليهم ، جاز لإمام أهل العدل حينئذ قتالهم ومحاربتهم ، وانقسمت أحوالهم في قتالهم ثلاثة أقسام :

أحدها : ما كان قتالهم عليه واجبا .

والثاني : ما كان قتالهم عليه مباحا .

والثالث : ما اختلف القول في وجوبه وإباحته .

فأما ما وجب قتالهم عليه : فهو بواحد من خمسة أمور :

أحدها : أن يتعرضوا لحريم أهل العدل بإفساد سبيلهم .

والثاني : أن يتعطل جهاد المشركين بهم .

والثالث : أن يأخذوا من حقوق بيت المال ما ليس لهم .

والرابع : أن يمتنعوا من دفع ما وجب عليهم .

والخامس : أن يتظاهروا على خلع الإمام الذي قد انعقدت بيعته ولزمت طاعته . [ ص: 105 ] روى عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من خلع يده من طاعة الإمام جاء يوم القيامة لا حجة له عند الله ، ومن مات وليس في عنقه بيعة ، مات ميتة جاهلية .

وأما ما أبيح قتالهم عليه وإن لم يجب : فهو أن ينفردوا عن الجماعة ولا يمتنعوا من حق ، ولا يتعدوا إلى ما ليس لهم بحق ، فيجوز للإمام قتالهم لتفريق الجماعة ، ولا يجب عليه قتالهم لتظاهرهم بالطاعة .

روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتته جاهلية

. وأما ما اختلف القول في وجوب قتالهم وإباحته : فهو إذا امتنعوا مع انفرادهم من دفع زكاة أموالهم الظاهرة ، وقاموا بتفرقتها في أهل السهمين منهم ففيه قولان : أحدهما : وهو قياس قول الشافعي في القديم : إن قتالهم عليها واجب ، إذا قيل فيها بوجوب دفعها إلى الإمام . والقول الثاني : وهو قياس قوله في الجديد : إن قتالهم عليها مباح ، وليس بواجب إذا قيل فيه : إن دفعها إلى الإمام مستحب وليس بواجب . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية