الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإذا كانت لأهل البغي جماعة تكبر ويمتنع مثلها بموضعها الذي هي به بعض الامتناع حتى يعرف أن مثلها لا ينال إلا حتى تكثر نكايته ، واعتقدت ونصبت إماما وأظهرت حكما وامتنعت من حكم الإمام العادل ، فهذه الفئة الباغية التي تفارق حكم من ذكرنا قبلها ، فإن فعلوا مثل هذا فينبغي أن يسألوا ما نقموا ، فإن ذكروا مظلمة بينة ردت ، وإن لم يذكروها بينة ، قيل : عودوا لما فارقتم من طاعة الإمام العادل ، وأن تكون كلمتكم وكلمة أهل دين الله على المشركين واحدة ، وأن لا تمتنعوا من الحكم ، فإن فعلوا قبل منهم ، وإن امتنعوا قيل : إنا مؤذنوكم بحرب ، فإن لم [ ص: 114 ] يجيبوا قوتلوا ولا يقاتلوا حتى يدعوا ويناظروا إلا أن يمتنعوا من المناظرة فيقاتلوا حتى يفيئوا إلى أمر الله " .

قال الماوردي : وجملة أهل البغي أنهم ضربان :

ضرب خرجوا عن القدرة بالامتناع والكثرة ، ولا يوصل إليهم إلا بالجيوش والمقاتلة .

فهم من قدمنا ذكره في إباحة قتالهم ، وأن أهل العدل لا يضمنون ما استهلكوه عليهم في ثائرة الحرب من دماء وأموال ، وفي تضمين أهل البغي ما استهلكوه عن أهل العدل في ثائرة الحرب من دماء وأموال قولان :

والضرب الثاني : من كان تحت القدرة ، وهم ضربان :

أحدهما : أن يختلطوا بأهل العدل كابن ملجم وأشياعه ، فأحكامنا عليهم جارية في الحقوق والحدود ، وهم مؤاخذون بضمان ما استهلكوه من دماء وأموال ، سواء استهلكوها على أهل العدل ، أو استهلكوها بعضهم على بعض ، ويؤخذ أهل العدل بضمان ما استهلكوه عليهم من دماء وأموال .

والضرب الثاني : أن ينفردوا بدار لكثرتهم وقوتهم غير أنهم لم يتظاهروا بخلق الطاعة ، ولا امتنعوا من أداء الحقوق ، فهؤلاء يجب الكف عنهم ، ولا يجوز قتالهم ما أقاموا على حالهم ، وإن خالفوا أهل العدل في معتقدهم .

فقد اعتزل أهل النهروان عليا وخالفوه في رأيه ، فولى عليهم عبد الله بن خباب بن الأرت عاملا ، فأطاعوه ، فكف عنهم ، ثم قتلوه ، فأرسل إليهم علي أن سلموا إلي قاتله أقيد منه ، قالوا : كلنا قتله . فسار إليهم حتى قتلهم مع كثرة عددهم .

فدل على أن ما فعلوه قبل التظاهر بخلع الطاعة هم به مؤاخذون وله ضامنون .

كذلك من كان مثلهم ، ويصير مخالفا لحكم من تظاهر بخلع الطاعة من وجهين :

أحدهما : في قتالهم إذا تظاهروا بخلع الطاعة ، والكف عنهم إذا لم يتظاهروا .

والثاني : في سقوط الضمان عنهم إذا تظاهروا ، في أصح القولين ، ووجوب الضمان عليهم قولا واحدا إذا لم يتظاهروا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية