الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

فإذا تقرر أنهم لا يتبعون بعد انهزامهم فلا فرق بين المنهزم إلى غير دار يرجع إليها ، وإلى غير إمام يعود إلى طاعته ، وبين المنهزم إلى دار وإمام .

وقال أبو حنيفة : لا يتبع المنهزم إلى غير دار وإمام ، ويتبع المنهزم إلى دار وإمام ويقتل إن ظفر به ؛ احتجاجا بأن عليا لم يتبع من انهزم من أهل الجمل : لأنهم انهزموا إلى غير دار وإمام ، واتبع من انهزم يوم صفين : لأنهم رجعوا إلى دار وإمام .

حتى روي أنه اتبع مدبرا ليقتله فكشف عن سوأته فكف علي طرفه ، ورجع عنه .

قال : ولأن الانهزام مع بقاء الدار والإمام لا يكون رجوعا عن البغي ، ولا مانعا من العود .

ودليلنا : ما روي عن علي كرم الله وجهه أنه أتي بأسير يوم صفين ، فقال له الأسير : أتقتلني صبرا . فقال : لا إني أخاف الله رب العالمين ، وخلى سبيله . [ ص: 117 ] قال الشافعي : والحرب يومئذ قائمة ، ومعاوية يقاتل جادا في أيامه كلها مستعليا أو منتصفا .

يعني : مستعليا بكثرة جيشه ، أو منتصفا بمساواة الجيش .

وأتي معاوية بأسير يوم صفين فأمر بقتله ، فقال الأسير : والله ما تقتلني لله ولا فيه ، ولكن لحطام هذه الدنيا ، فإن عفوت فصنع الله بك ما هو أهله ، وإن قتلت فصنع الله بك ما أنت أهله . فقال له معاوية : لقد سببت فأحسنت . وخلى سبيله .

ولأن الإمام مأمور بالقتال لا بالقتل ، والمولي غير مقاتل فلم يجز أن يقتل .

ولأن المراد بالقتال الكف ، والمولي كاف فلم يجز أن يتبع .

فأما احتجاجه بندائه يوم الجمل دون صفين فعنه جوابان :

أحدهما : أنه أمر بالنداء في اليومين معا ، أن لا يتبع مدبر ولا يذفف على جريح .

والثاني : أنه - وإن فرق بين اليومين في النداء - فلأن الحرب انجلت يوم الجمل ، فتفرغ للنداء ، وكانت يوم صفين باقية فتشاغل بتدبير الحرب عن النداء .

وأما طلبه للأسير ، فقد كان ذلك عند اختلاط الصفوف وبقاء القتال .

واحتجاجهم بجواز عوده فلا معنى لتعليق الحكم بعلة لم تكن ، ويجوز أن لا تكون . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية