الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ولو قتلوا واليهم أو غيره قبل أن ينصبوا إماما أو يظهروا حكما مخالفا لحكم الإمام ، كان عليهم في ذلك القصاص ، قد سلموا وأطاعوا واليا عليهم من قبل علي ثم قتلوه ، فأرسل إليهم علي رضي الله عنه أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به ، قالوا : كلنا قتله . قال : فاستسلموا نحكم عليكم . قالوا : لا . فسار إليهم فقاتلهم فأصاب أكثرهم " .

[ ص: 119 ] قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا اجتمع الخوارج في موضع تميزوا به عن أهل العدل ، ولم يخرجوا عن طاعة الإمام ، وقصدوا بالاعتزال أن ينفردوا عن مخالفهم ويتساعدوا على معتقدهم ، كانت دارهم من جملة دار أهل العدل ، تقام عليهم الحدود وتستوفى منهم الحقوق ، ولا يبدؤون بحرب ولا قتال ، ما لم يبدؤوا بالمنابذة والقتال .

فإن قتلوا عاملهم الوالي عليهم من قبل الإمام أو غيره من أعوان الإمام ، ثم أظهروا خلع الإمام ونابذوه ، أجرى الإمام عليهم القصاص ولم يسقط عنهم بما أظهروا بعد القتل من الخلع والمنابذة ، وكذلك ما استهلكوه من الأموال كانوا مأخوذين بضمانه .

فقد ولى علي بن أبي طالب عليه السلام على النهروان عامله عبد الله بن خباب بن الأرت ، وقد اعتزلوه ، فكان ناظرا فيهم كنظره في أهل العدل ، إلى أن وثبوا عليه ، وقالوا : ما تقول في الشيخين أبي بكر وعمر ؟

فقال : ما أقول في خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمامي المسلمين .

قالوا : ما تقول في عثمان ؟

فقال : في الست الأوائل خيرا . وأمسك عن الست الأواخر .

فقالوا : ما تقول في علي بن أبي طالب .

فقال : أمير المؤمنين وسيد المتقين .

فعمدوا إليه فذبحوه ، فراسلهم علي أن سلموا إلي قاتله أحكم فيه بحكم الله . قالوا : كلنا قتله .

قال : فاستسلموا لحكم الله ، وسار إليهم ، فقتل أكثرهم . فدل هذا من فعله على أمرين :

أحدهما : جواز إقرارهم وإن اعتزلوا ما كانوا متظاهرين بالطاعة .

والثاني : وجوب القصاص عليهم ، وأنه لا يسقط عنهم بخلع الطاعة .

فأما من قتلوه بعد خلع الطاعة وإظهار المنابذة ، ففي ضمانه عليهم قولان كغيرهم من أهل البغي .

التالي السابق


الخدمات العلمية