الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

فإذا ثبت أن قتلهم بعد الإسار محظور ، فهم ضربان :

أحدهما : أن يكونوا من أهل الجهاد أحرارا بالغين ، فيدعوا إلى البيعة على الطاعة ، فإن أجابوا إليها وبايعوا الإمام عليها ، أطلقوا ولم يجز حبسهم ، ولم يلزم أخذ رهائنهم ولا إقامة كفلائهم ، ووكلوا إلى ما تظاهروا به من الطاعة ، ولم يستكشفوا عن ضمائرهم .

وإن امتنعوا من بيعة الإمام على طاعته ، حبسوا إلى انجلاء الحرب . واختلف أصحابنا في علة حبسهم على وجهين :

أحدهما : أن العلة في حبسهم امتناعهم من وجوب البيعة عليهم ، ومن امتنع من واجب عليه حبس به كالديون . وهذا قول أبي إسحاق المروزي .

فعلى هذا : يكون حبسهم واجبا على الإمام ، وهو مقتضى قول الشافعي في القديم : لأنه قال فيه : يحبسون .

والوجه الثاني : أن العلة في حبسهم أن تضعف مقاتلة البغاة بهم ، وهذا أصح التعليلين .

[ ص: 122 ] لأنهم لو حبسوا لوجوب البيعة لما جاز إطلاقهم بعد انجلاء الحرب إلا بها .

فعلى هذا : يكون حبسهم موكولا إلى رأي الإمام واجتهاده ، وهو مقتضى قول الشافعي في الجديد : لأنه قال فيه : رجوت أن يسع .

والضرب الثاني : أن يكون الأسرى من غير أهل الجهاد كالنساء والعبيد والصبيان ، فلا يجوز حبسهم على البيعة : لأنه لا بيعة على النساء والعبيد إلا في الإسلام دون الجهاد ، لوجوب الإسلام عليهم وسقوط الجهاد عنهم . والصبيان لا بيعة عليهم في الإسلام ولا في الجهاد ، وهذا معنى قول الشافعي : ويختلفون في الإسار .

فإذا لم يجز حبسهم على البيعة ، فقد اختلف أصحابنا في جواز حبسهم لإضعاف البغاة على وجهين ، بناء على اختلاف العلتين في حبس أهل الجهاد منهم : أحدهما : لا يحبسون إذا قيل : إن علة حبسهم وجوب البيعة عليهم .

والوجه الثاني : يحبسون إذا قيل : إن علة حبسهم إضعاف البغاة بهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية