الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فلو كان لهم أمان فقاتلوا أهل العدل ، كان نقضا لأمانهم " .

قال الماوردي : وهذا صحيح . إذا كان لطائفة من المشركين عهد بأمان متقدم ، فاستعان بهم أهل البغي على قتالنا ، كان ذلك نقضا لأمانهم إذا قاتلونا : لقول الله تعالى : وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء [ الأنفال : 58 ] .

فلما جاز أن ينبذ إليهم عهدهم بنقضه إذا خفناهم ، كان أولى أن ينقض بقتالهم .

ولأن إعطاء العهد لهم إنما كان لمصلحتنا لا لمصلحتهم ، وكذلك إذا سألوا العهد لم يلزم إجابتهم إليه ، إلا إذا رأى الإمام في ذلك حظا للمسلمين ، فيجوز أن يعاهدهم ، فإذا قاتلوا زالت المصلحة فبطل العهد عموما ، وإن كان في أهل البغي خصوصا .

وجاز لنا قتلهم وسبيهم ، وقتالهم مقبلين ومدبرين .

فإن أسلموا : لم يؤخذوا بما استهلكوا من دم ولا مال كغيرهم من أهل الحرب ، وبخلاف أهل البغي .

فإن قالوا : لم نعلم أن قتالنا معهم مبطل لعهدنا معكم .

لم يقبل منهم في بقاء العهد معهم : لأن الأمان هو الكف والموادعة ، فضعف ما ادعوه من الجهالة . [ ص: 126 ] فإن ادعوا الإكراه : كلفوا البينة ، فإن أقاموا على إكراه أهل البغي لهم على قتالنا بينة ، كانوا على عهدهم .

وإن لم يقيموها ، لم تقبل دعواهم ، وانتقض عهدهم : لأن أصل الفعل حدوثه عن اختيار فاعله .

التالي السابق


الخدمات العلمية