الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما إذا تقدم المأموم على إمامه في الموقف فوقف قدام إمامه فذلك ضربان :

أحدهما : أن يكون بمكة .

والضرب الثاني : بغيرها ، فإن كان بغير مكة ففي بطلان صلاة المأموم المتقدم على إمامه قولان :

أحدهما قاله في القديم : صلاته جائزة لأنه ليس في التقدم على الإمام أكثر من مخالفة الموقف المسنون ، ومخالفة الموقف المسنون لا يمنع من صحة الصلاة ، كالمأموم الواحد إذا وقف على يسار إمامه ، أو الجماعة إذا وقفوا على يمينه ويساره .

[ ص: 342 ] والقول الثاني : قاله في الجديد ، وهو الصحيح : صلاته باطلة لقوله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به ، والائتمام الاتباع ، والمتقدم على إمامه لا يكون تابعا بل يكون متبوعا ، ولأن على المأموم اتباع إمامه في موقفه ، وأفعاله ، فلما لم يجز له التقدم عليه في إحرامه وأفعال صلاته لم يجز له التقدم عليه في موقف صلاته .

وإن كان بمكة فله حالان :

أحدهما : أن يصلي في مسجدها .

والثاني : في غير مسجدها في منازلها ، فإن صلى في غير مسجدها فحكمه حكم المصلي في غيرها ، وفي بطلان صلاته إذا تقدم على إمامه قولان كما مضى ، وإن صلى في مسجدها فالسنة أن يستدير الناس حول الكعبة وراء الإمام وتجاهه ، ويكون موقف الإمام عند المقام مستقبلا لباب الكعبة ، مستدبرا لباب بني شيبة ، وإن وقف مستقبلا للكعبة أجزأه ، ويجب أن يكون الإمام أقرب إلى الكعبة من المأمومين ، فإن كان الإمام منها على نحو الذراع تأخر المأمومين نحو الذراعين ، فإن فعل هذا الذين هم وراء الإمام كان في بطلان صلاتهم قولان كما مضى ، وإن فعله الذين هم في مقابلته فقد قال الشافعي أيضا في كتاب " الأم " إن صلاتهم جائزة ، وقال في " الجامع " : إذا توجه الإمام إلى الكعبة فائتم به قوم على ظهر الكعبة أجزأتهم صلاتهم ، ومعلوم أن من على ظهر الكعبة أقرب إليها من الإمام ، واختلف أصحابنا في ذلك على وجهين :

أحدهما : قاله أبو إسحاق أن في صلاتهم قولين كما مضى ، وحمل منصوص الشافعي على أحدهما .

والوجه الثاني : وهو قول جمهورهم أن صلاتهم جائزة قولا واحدا استعمالا لظاهر نصه : والفرق بينهم وبين غيرهم من وجهين :

أحدهما : أنهم وإن كانوا إلى البيت أقرب من الإمام ، فإنهم غير موصوفين بالتقدم عليه : لأنهم في مقابلته ومحاذاته ، وغيرهم إذا كان إلى القبلة أقرب صار متقدما عليه ، فخرج بالتقدم من اتباعه ، وسرى ذلك في صحة صلاته .

والفرق الثاني : إنهم وإن كانوا أقرب إلى البيت من الإمام فيمكنهم مشاهدة أفعاله والاقتداء به ، وغيرهم إذا تقدم إمامه لم يقدر على اتباعه ، ولا على فعل الصلاة بفعله ، فافترقا من هذين الوجهين في صحة الصلاة ، وبطلانها .

التالي السابق


الخدمات العلمية