الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " فإن صلى قرب المسجد ، وقربه ما يعرفه الناس من أن يتصل بشيء بالمسجد ، لا حائل دونه فيصلي منقطعا عن المسجد ، أو فنائه على قدر مائتي ذراع ، أو ثلاثمائة ذراع ، أو نحو ذلك فإذا جاوز ذلك لم يجزه " .

قال الماوردي : وهذا كما قال قد ذكرنا حكم المأموم إذا صلى مع إمامه في المسجد ، فالاعتبار في صحة صلاته بثلاث شرائط :

أحدها : العلم بصلاة الإمام ، وطريق العلم بها من أحد أربعة أوجه مضت .

والثاني : القرب وأبعده على وجه التقريب بثلاثمائة ذراع ، أو نحوها ، وذلك أبعد رمية سهم ، وغلط بعض أصحابنا فجعل الثلاثمائة ذراع حدا ، وليس بصحيح ، بل ذلك تقريب [ ص: 345 ] وأصله حراسة إحدى الطائفتين للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه في صلاة الخوف ليدفعوا عنهم أذى عدوهم ، وأبعد أذاهم رمي السهام ، وغايته في الغالب ما ذكرنا .

والثالث : أن لا يكون بينهما حائل ، فإن حال بينهما غير سور المسجد من جدار ، أو غيره بطلت صلاته ، وإن حال بينهما سور المسجد فقد ذهب أبو إسحاق المروزي إلى جواز صلاته ، وإن كان ذلك غير حائل يمنع من صحتها ، لأن سور المسجد من مصالحه وبعض من أبعاضه فصار كالسواري التي تحول بين من في المسجد وبين الإمام ، وذلك لا يمنع من صحة الصلاة ، وقال عامة أصحابنا وهو الصحيح : إن ذلك حائل يمنع من صحة الصلاة ، وكذلك أبوابه المغلقة سواء كانت مصمتة أو مشبكة ، لقول عائشة ، رضي الله عنها ، لنسوة صلين في سترة لا تصلين بصلاة الإمام ، فإنكن دونه في حجاب ، ولم يكن بين منزلها ، والمسجد إلا سور المسجد لأن باب منزلها كان ينفذ إليه ، فإذا كملت هذه الشرائط الثلاثة صحت صلاة من خارج المسجد على ما بينته ، وإن عدم شرط منها بطلت صلاتهم ، وقال عطاء بن أبي رباح ، والنخعي ، وحكي نحوه عن أنس ، والحسن البصري : يصلي بصلاة الإمام من علمها ، قريبا كان أو بعيدا ، حال بينهما حائل أم لا ، وهذا غلط ، وبما ذهبنا إليه قال به سائر الفقهاء ، والدلالة على صحته قوله تعالى : إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله [ الجمعة : 9 ] . وما قاله من إيجاب السعي إليها إذا كان لهم سبيل العلم بها ، ولقوله صلى الله عليه وسلم وهو ثابت عن علي عليه السلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد معناه : والله أعلم لا صلاة له في منزله بصلاة الإمام في المسجد ، وإلا فصلاته منفردا في منزله جائزة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : لو صليتم في بيوتكم لضللتم يعني : بصلاة الإمام ولقول عائشة ، رضي الله عنها ، للنسوة اللاتي صلين في منزلها : " لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب " .

التالي السابق


الخدمات العلمية