الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

فإذا تقررت هذه الجملة لم يخل حال الزانيين من خمسة أقسام :

أحدها : أن يكونا محصنين فيرجمان معا ، ويستوي فيه الزاني والزانية على ما سنصفه في الرجم .

والقسم الثاني : أن يكونا بكرين فيجلدان معا ، على ما سنصفه في الجلد .

والقسم الثالث : أن يكون أحدهما محصنا ، والآخر بكرا ، فيرجم المحصن منهما ، ويجلد البكر .

والقسم الرابع : أن يقصرا عن حكم المحصن والبكر بصغر أو جنون يزيل القلم عنهما ، فلا حد على واحد منهما ، ويعزر الصبي منهما دون المجنون إن كان يميز أدبا ، كما يؤدب في مصالحه حتى لا ينشأ على القبائح .

والقسم الخامس : أن يكون أحدهما من أهل الحد إما محصنا أو بكرا ، والآخر من غير أهل الحد إما صغيرا أو مجنونا ، فيحد من كان من أهل الحد زانيا كان أو زانية ، ويسقط الحد عمن ليس من أهله زانيا كان أو زانية ، ولا يكون سقوطه عن أحدهما موجبا لسقوطه عن الآخر .

وقال أبو حنيفة : سقوط الحد عن الزانية لا يوجب سقوطه عن الزاني ، وسقوطه عن الزاني يوجب سقوطه عن الزانية : فيحد العاقل إذا زنا بالمجنونة ، ولا تحد العاقلة إذا زنت بمجنون احتجاجا بأمرين :

أحدهما : أن وطء المجنون ليس بزنا : لأن من جهل تحريم الزنا لم يكن زانيا ، والمجنون جاهل بتحريم الزنا فلم يك وطؤه زنا ، والتمكين مما ليس بزنـا لا يكون زنـا ، فلم يجب به الحد .

والثاني : أن الواطئ متبوع : لأنه فاعل . والموطوءة تابعة : لأنها ممكنة . فإذا سقط الحد عن الفاعل المتبوع ، سقط عن التابع الممكن : لأن المتبوع أصل ، والتابع فرع ، فاستحال ثبوت الفرع مع ارتفاع أصله .

ودليلنا هو أن كل ما وجب عليها بوطئها إذا مكنت عاقلا ، وجب عليها بوطئها إذا مكنت مجنونا ، كالقضاء والكفارة في وطء رمضان . ولأن سقوط الحد عن الواطئ لمعنى يخصه ، لا يوجب سقوطه عن الموطوءة ، كالمستأمن الحربي إذا زنا بمسلمة يجب عليها الحد دونه . ولأن كل سبب لو اختص بالموطوءة لم يمنع وجوبه الحد على الواطئ ، وجب إذا اختص بالواطئ أن لا يمنع وجوب الحد على الموطوءة ، كاعتقاد الشبهة . ولأنه لما لم يعتبر حكم الموطوءة بالواطئ في حقه الحد إذا زنت الحرة بعبد [ ص: 201 ] والثيب ببكر ، لم يعتبر في وجوب الحد إذا زنت العاقلة بمجنون .

فأما الجواب عن قوله : " إن وطء المجنون ليس بزنا " : فهو أن حكم الزنا ثابت فيه : لانتفاء النسب عنه ، ولو ارتفع حكم الزنا عنه لحق النسب به ، وإنما سقط الحد عنه : لارتفاع القلم .

وأما الجواب عن استدلاله : " بأن الواطئ متبوع " : فهو باطل بصفة الحد لما جاز أن ترجم الموطوءة ، وإن جلد الواطئ ، جاز أن تجلد الموطوءة وإن لم يجلد الواطئ .

فإذا تقرر هذا فرع عليه الزنا في مستيقظ ونائم ، فإن زنا رجل بنائمة حد دونها عندنا وعنده كزنا العاقل بمجنونة ، وإن استدخلت المرأة ذكر نائم حدت عندنا ، ولم تحد عنده ، كالعاقلة إذا زنت بمجنون اعتبارا بسقوط الحد عن النائم . وما قدمناه دليل عليه في الموضعين ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية