الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ويرجم المحصن في كل ذلك ، إلا أن تكون امرأة حبلى فتترك حتى تضع ويكفل ولدها " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا كان الحد رجما لم يجز أن ترجم حامل حتى تضع : لرواية عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، أن امرأة من غامد أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني زنيت فطهرني . فقال : ارجعي . فرجعت ، فلما كان من الغد أتته ، فقالت : لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعزا ، فوالله إني لحبلى . فقال لها : ارجعي حتى تلدي . فرجعت ، فلما ولدته أتته بالصبي . فقالت : قد ولدته . فقال : ارجعي فأرضعيه حتى تفطميه [ . . . . ] وفي يده شيء يأكل ، فأمر بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين ، وأمر بها فحفر لها ، ثم أمر بها فرجمت ولأن عليا قال لعمر رضي الله عنه وقد أمر برجم حامل : " إنه لا سبيل لك على ما في بطنها " فردها ، وقال له معاذ بن جبل مثل ذلك ، فإذا وضعت حملها أمسك عنها حتى ترضع ولدها اللبن الذي لا يستغني عنه في حفظ حياته ، ثم ينظر في مرضع الولد بعد اللبن فإنه لا يخلو من ثلاثة أحوال : [ ص: 215 ] أحدها : أن يوجد ويتعين ، فيسلم الولد إلى مرضعته وترجم الأم .

والثاني : أن لا يوجد لرضاعه غير الأم ، فيؤخر رجمها حتى ترضعه حولين كاملين ثم ترجم : لأننا لما حفظنا حياته حملا ، فأولى أن نحفظها وليدا .

والثالث : أن يعلم وجود المرضع ولكن لم يتعين ، ففي جواز رجمها قبل تعيينه ودفعه إلى المرضع وجهان :

أحدهما : يجوز رجمها : لأن المرضع موجود .

والثاني : لا يجوز حتى يسلم إلى المرضع ثم ترجم .

فأما غير الحامل من النساء والرجال إذا كانوا مرضى ، أو في حر مفرط ، أو برد مفرط ، ففي تعجيل رجمهم مع بقاء المرض وفرط الحر والبرد ثلاثة أوجه حكاها ابن أبي هريرة .

أحدها : وهو الظاهر من مذهب الشافعي ، والمنصوص عليه في هذا الموضع أن يعجل الرجم ولا يؤخر ، لأن المقصود القتل بخلاف المجلود ، وسواء رجم بإقرار أو شهادة .

والوجه الثاني : أنه يؤخر رجمه ، ولا يعجل حتى يبرأ من مرضه ويعتدل الحر والبرد ، سواء رجم بإقرار أو بينة : لأنه قد يجوز أن يرجع عن إقراره ، ويرجع الشهود في الشهادة ، فلا تعجيل في زمان التوجه حتى يمكن استدراك ما يمنع .

والوجه الثالث : أن يؤخر إن رجم بالإقرار ولا يؤخر إن رجم بالشهادة : لأن الظاهر من المقر رجوعه : لأنه مندوب إلى الرجوع ، والظاهر من الشهود أنهم لا يرجعون : لأنهم غير مندوبين إلى الرجوع ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية