الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

ويتفرع على هذين الأصلين في نقصان العدد ونقصان الصفة فرعان :

أحدهما : أن يكمل عددهم وتكمل صفة بعضهم دون بعض ، كأربعة شهدوا على رجل بالزنا وفيهم عبد ، أو فاسق وباقيهم عدول ، فإن قيل : إن نقصان العدد لا يوجب الحد فهو أولى ، وإن قيل : إنه موجب الحد ففي هذا ثلاثة أوجه :

أحدها : وهو الأصح ، أنه لا حد على جميعهم : لقوة الشهادة بكمال العدد وبكمال صفة الأكثرين .

والوجه الثاني : أنه يحد جميعهم لرد شهادتهم .

والوجه الثالث : يحد من نقصت صفته بالرق والفسق ، ولا يحد من كملت صفته [ ص: 234 ] بالعدالة : للحوق الظنة بالفاسق ، وانتفائها عن العدل .

والفرع الثاني : أن يكمل عددهم وتكمل صفتهم فترد شهادتهم ، فهذا على ثلاثة أضرب :

أحدها : أن ترد لتكاذب فيها وتعارض ، وهو أن يشهد اثنان منهم أنه زنا بها يوم الجمعة ببغداد ، ويشهد الآخران أنه زنا بها يوم الجمعة بالبصرة .

فإن قيل : إن رد الشهود من غير تكاذب موجب الحد ، فوجب به مع التكاذب أولى . وإن قيل : إنه لا يوجب الحد ، ففي ردهم بالتكاذب ثلاثة أوجه :

أحدها : يحدون جميعا للقطع بالكذب في شهادتهم .

والوجه الثاني : لا يحدون جميعا : لأن الكذب لم يتعين في إحدى الجهتين .

والوجه الثالث : أن يحد الأخيران : لتقدم إكذاب الأولين لهما قبل شهادتهما ، ولا يحد الأولان : لحدوث إكذاب الآخرين لهما بعد شهادتهما ، وهذا صحيح .

والضرب الثاني : أن ترد شهادتهم : لاختلاف الزنا مع الاتفاق على وجوده منهما ، وهو أن يشهد اثنان منهم أنه زنا بها في يوم الجمعة ، ويشهد الآخران أنه زنا بها في يوم السبت ، أو يشهد اثنان أنه زنا بها في الدار ، ويشهد آخران أنه زنا بها في البيت ، فليس في هذا تكاذب : لأنهما فعلان لم تكمل الشهادة بأحدهما فلم يحد المشهود عليه . فأما حد الشهود ، فإن قيل : إن نقصان العدد غير موجب للحد فهذا أولى . وإن قيل : إنه موجب للحد ، ففي وجوبه هاهنا وجهان :

أحدهما : أنه يجب الحد عليهم : لأن الشهادة لم تكمل بهم .

والوجه الثاني : لا حد عليهم : لكمال الشهادة بالزنا وإن اختلفت ، فصارت كاملة في سقوطه العفة وإن لم تكمل في وجوب الحد .

والضرب الثالث : ما اختلف في رد شهادتهم به ، وهو أن يشهد اثنان منهم أنه أكرهها على الزنا ، ويشهد الآخران أنها طاوعته على الزنا ، فلا حد على المرأة : لأنها تحد بالمطاوعة دون الإكراه ، ولم تكمل الشهادة عليها بالمطاوعة ، فسقط الحد عنها .

وأما الرجل ففي وجوب حده بشهادتهم قولان حكاهما أبو حامد المروزي في " جامعه " .

أحدهما : لا يحد : لأن اختلاف الصفة كاختلاف الفعل .

والقول الثاني : أنه يحد : لاتفاقهم في الشهادة عليه بزنا واحد يوجب الحد ، وليس فيها تعارض : لأن الإكراه يكون في أول الفعل ، والمطاوعة في آخره . فعلى هذا : إن حكم بشهادتهم في حد الرجل ، لم يحدوا في حق الرجل ولا في المرأة لثبوتها ، وإن لم يحكم [ ص: 235 ] بشهادتهم في حد الرجل ، جاز الحكم في وجوب حدهم ، كالضرب الثاني إن قيل : إنهم لا يحدون إذا نقصوا ، فهؤلاء أولى أن لا يحدوا . وإن قيل : يحدون إذا نقصوا ، ففي وجوب حد هؤلاء وجهان : فإن قلنا : لا حد عليهم . فلا مسألة . وإن قلنا : الحد واجب عليهم حد شاهد الإكراه في حق الرجل دون المرأة ، وحد شاهد المطاوعة في حق الرجل وحق المرأة ، وهو قذف لهما بزنا واحد ، فهل يحدون لهما حدا واحدا أو حدين ؟ على قولين :

أحدهما : وهو القديم : يحدون حدا واحدا : لأن الزنا واحد .

والثاني : وهو الجديد : يحدون لكل واحد منهما حدا مفردا : لأنه مقذوف في عينه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية