الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

فأما الرجل إذا أكره على الزنا ، فمذهب الشافعي لا حد عليه كالمرأة .

وذهب بعض أصحابه إلى وجوب الحد عليه : لأن الوطء لا يكون إلا مع الانتشار الحادث عن الشهوة ، وحدوث الشهوة يكون عن الاختيار دون الإكراه .

وقال أبو حنيفة : إن أكرهه السلطان على الزنا فلا حد عليه ، وإن أكرهه غير السلطان حد : استدلالا بأن إكراه السلطان فسق يخرج به من الإمامة فيصير الوقت خاليا من إمام كزمان الفترة ، ويصير عنده كدار الحرب التي لا يجب على الزاني فيها حد عنده ، وكلا الأمرين فاسد .

والدليل عليهم : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ادرءوا الحدود بالشبهات والإكراه من أعظم الشبهات : ولأنه إكراه على الزنا فوجب أن يسقط به الحد كإكراه المرأة : ولأن كل ما سقط فيه الحد أو أكرهت عليه المرأة ، سقط فيه الحد إذا أكره عليه الرجل ، كالسرقة وشرب الخمر .

فأما الجواب عن الاستدلال بحدوث الانتشار عن الشهوة فهو أن الشهوة مركوزة في الطباع لا يمكن دفعها ، وإنما يمكن دفع النفس عن الانقياد لها لدين أو تقية ، فصار الإكراه على الفعل لا على الشهوة ، والحد إنما يجب في الفعل دون الشهوة .

وأما الجواب عن استدلال أبي حنيفة بخلو الدار من الإمام لخروجه بالفسق من الإمامة فمن وجهين :

[ ص: 242 ] أحدهما : أنه قد يكون السلطان المكره غير إمام ، فلا تخلو الدار من إمام ، وأنت تسوي بين الأمرين فلم يصح التعليل .

والثاني : أن خلو الدار من إمام لا يوجب إسقاط الحدود ، كما لم يوجب استباحة أسبابها ، وكذلك دار الحرب ، وقد تقدم الكلام فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية