الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ويحد الرجل أمته إذا زنت : لقول النبي صلى الله عليه وسلم : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها .

قال الماوردي : وهذا كما قال ، يجوز للسيد إقامة الحدود على عبيده وإمائه ، وهو قول الأكثرين . وقال أبو حنيفة : لا يجوز للسيد أن يتولاه ، والإمام أحق بإقامته .

وقال مالك : لا يجوز أن يتولى السيد حد أمته إذا كانت ذات زوج ، ويجوز أن يتولاه في العبد والأمة غير ذات الزوج .

واستدلوا بأنه من حدود الله تعالى فوجب أن يكون الأئمة أحق بإقامته ، قياسا على حد الحر : ولأن من لا يملك إقامة الحد على الحر لم يملك إقامته على العبد كالصغير [ ص: 245 ] والمجنون ، ولأن من لا يملك إقامة الحد بالبينة ، لم يملك إقامته بالإقرار كالأجنبي ، ولأنه حد لا يملك السيد إقامته عليه بعد عتقه ، فلم يملك إقامته عليه في حال رقه كالقطع في السرقة .

ودليلنا : رواية علي بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم وهذا نص .

فإن قيل : يعني بإذن الإمام . ففيه وجهان :

أحدهما : إن إطلاقه يمنع من هذا التقييد .

والثاني : أنه يسقط فائدة الخبر : لأن الإمام لو أذن لغير السيد جاز .

وروى الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، قال : جاء رجل بوليدة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله إن جاريتي زنت . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجلدها خمسين ، فإن عادت فعد ، وإن عادت فعد ، وفي الرابعة : فإن عادت فبعها ولو بحبل من شعر .

وروى إسماعيل بن أمية ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها ، فليجلدها الحد ولا يثرب ، فإن عادت فزنت فتبين زناها ، فليبعها ولو بعقد من شعر ومعنى لا يثرب : أن لا يعير . فإن قيل : فلم نهاه عن تعييرها والتثريب عليها وهو أبلغ في الزجر ؟ فعنه جوابان :

أحدهما : أنه نهاه عن الاقتصار عليه دون الحد .

والثاني : أن التعيير والتثريب تعزير يسقط مع الحد .

فإن قيل : يحمل ما أمر به من الجلد على التعزير دون الحد . فعنه جوابان :

أحدهما : أن إطلاق الحد يخرج عن حكم التعزير .

والثاني : أن الحد يسقط بالتعزير ، ولأنه إجماع الصحابة .

روى حسن بن محمد أن فاطمة عليها السلام جلدت أمة لها . . . الحديث .

وروي أن عائشة رضي الله عنها قطعت جارية لها سرقت .

[ ص: 246 ] وروي أن حفصة رضي الله عنها قتلت جارية لها سحرتها .

وروى نافع أن عبد الله بن عمر قطع يد غلام له سرق . وروي أن أبا بردة جلد وليدة له زنت .

وروي أن مقرنا سأل ابن مسعود عن أمة له زنت ، فقال : اجلدها .

وروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن أبيه ، قال : كان الأنصار عند رأس الحول يخرجون من زنا من إمائهم فيجلدونهم في مجالسهم ، ولا يعرف لهم مخالف ، فثبت أنه إجماع .

ومن القياس : أن للإمام حق الولاية ، وللسيد حق الملك ، فيجمع بينهما إحدى علتين :

إحداهما : أن كل من ملك تزويجها مع اختلاف الدينين ملك حدها كالإمام .

والثانية : أن كل من ملك الإقرار عليه بجناية الخطأ في رقبته ، ملك إقامة الحد على يديه كالإمام ، ولأن تصرف السيد في عبده أعم ، وعقوده فيه أتم من الإمام المتفرد بنظر الولاية ، فكان بإقامة الحد أحق . وخالف الأجنبي الذي لا نظر له فيه ولا حق ، وخالف الحر الذي لا ولاية له إلا للإمام ، وخالف الصبي والمجنون لثبوت الولاية عليهما ، فلم تصح الولاية منهما . وسنذكر في حكم البينة والسرقة في شرح المذهب ما يكون جوابا وانفصالا .

التالي السابق


الخدمات العلمية