فصل :  
وأما  
أهل الذمة   وهم أصحاب الجزية ، ففي وجوب  
الحكم بينهم إذا استعدوا إلينا  ثلاثة أقاويل :      
[ ص: 251 ] أحدها : لا يلزم ، والحاكم مخير بينهم في الحكم ، وهم مخيرون في التزام حكمه كأهل العهد : لعموم قول الله تعالى :  
فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم     [ المائدة : 42 ] ، وقال تعالى :  
فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم     [ المائدة : 49 ] ولم يقل : فإن تولوا فاحكم بينهم . وسواء كان هذا في حقوق الله أو في حقوق الآدميين ، فعلى هذا إن استعدوا الحاكم كان مخيرا بين أن يعدي المستعدي وبين أن لا يعديه ، وإذا أعداه كان المستعدي عليه مخيرا بين الحضور والامتناع ، إلا أن يشترط عليهم في عقد الذمة أن يجري عليهم أحكامنا ، فيلزم الحاكم أن يعديهم ويحكم بينهم ، ويلزمهم الحضور إليه والتزام حكمه ، فإن تراضوا بالمحاكمة إليه توجه لزوم الحكم إليهم دونه ، فيكون مخيرا في الحكم بينهم ، فإن حكم وجب عليهم التزام حكمه  
. والقول الثاني : أنه لا يلزم الحاكم أن يحكم بينهم ويعدي المستعدي منهم ويخير المستعدي عليه على الحضور ، ويلزمه الحكم جبرا ، سواء كان في حقوق الله تعالى أو في حقوق الآدميين : لقول الله تعالى :  
يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون     [ التوبة : 29 ] .  
وقال  
الشافعي      : والصغار : أن يجري عليهم أحكام الإسلام . وإن كان عند غير  
الشافعي   أن الصغار هو الإذعان ببذل الجزية ، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم  
nindex.php?page=hadith&LINKID=924311رجم يهوديين زنيا  ، ولو لم تلزمهم أحكامه لامتنعوا عليه ، ولأن  
دار الإسلام توجب حفظ الحقوق وتمنع من التظالم     . فعلى هذا : إن كان ما ارتكبوه من الحدود محظورا عندنا وعندهم كالزنا ، أقمنا الحد عليهم ، وإن كان محظورا عندنا مباحا عندهم كشرب الخمر ، لم نحدهم لإقرارنا لهم على استباحته .  
والقول الثالث : أن يلزمه أن يحكم بينهم في حقوق الآدميين ، ولا يلزمه أن يحكم بينهم في حقوق الله تعالى : لأن حقوق الله في كفرهم أعظم وقد أقروا عليه ، وحقوق الآدميين محفوظة لهم وعليهم ، كما يلزمنا حفظ أموالهم . فإن كان  
التحاكم بين مسلم وذمي  لزم الحكم بينهم قولا واحدا ، سواء كان المسلم مستعديا أو مستعدى عليه : لقول النبي صلى الله عليه وسلم :  
الإسلام يعلو ولا يعلى  وإن كان  
التحاكم بين ذميين من ملتين  كيهودي ونصراني ، فقد اختلف أصحابنا على وجهين :      
[ ص: 252 ] أحدهما : وهو قول  
أبي علي بن أبي هريرة      : يلزم الحكم بينهما قولا واحدا : لاختلاف المعتقدين كما لو كانت بين مسلم وذمي .  
والوجه الثاني : - يشبه قول  
أبي إسحاق المروزي      - أن يكون على الأقاويل الثلاثة : لأن الكفر كله ملة واحدة .