الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وأن عثمان بن عفان رضي الله عنه قطع سارقا في أترجة قومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار . قال مالك : هي الأترجة التي تؤكل . ( قال الشافعي ) : وفي ذلك دلالة على قطع من سرق الرطب من طعام وغيره إذا بلغت سرقته ربع دينار وأخرجها من حرزها " .

[ ص: 274 ] قال الماوردي : وهذا كما قال : القطع يجب في جميع الأموال ، سواء كان مما يسرع إليه الفساد كالطعام الرطب ، أو لا يسرع إليه الفساد .

وقال أبو حنيفة : لا قطع فيما يسرع إليه الفساد : استدلالا بما رواه مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن رافع بن خديج ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا قطع في ثمر ولا كثر وفي الكثر قولان :

أحدهما : أنه الفسيل .

والثاني : أنه جمار النخل .

وروى الحسن البصري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا قطع في طعام .

وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما كانت اليد تقطع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه .

والتافه الحقير ، وما يسرع إليه الفساد حقير .

ولأنه معرض للهلاك والتلف ، فلم تقطع فيه اليد كالذي ليس بمحرز .

ودليلنا : رواية عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عمرو ، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر المعلق فقال : من سرق منه بعد أن يئويه الجرين ، وبلغ ثمن المجن ففيه القطع فنفى عنه القطع قبل الجرين : لأنه غير محرز ، وعلق القطع به في الجرين : لأنه محرز .

[ ص: 275 ] فإن قيل : إنما علق القطع به في الجرين : لأنه قد صار فيه يابسا مدخرا . فعنه جوابان :

أحدهما : أنه يكون في الجرين رطبا ويابسا ولم يفرق .

والثاني : أنه أوجب القطع في الجرين عما نفاه عنه قبل الحرز ، وهو قبل الجرين رطب ، فكذلك في الجرين ، ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، روت عمرة بنت عبد الرحمن أن سارقا سرق أترجة على عهد عثمان رضي الله عنه فقومت ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهما بدينار ، فأمر بقطعه . وليس له في الصحابة مخالف .

ومن القياس : أنه نوع مال فوجب أن يستحق القطع بسرقته كسائر الأموال ، ولا ينتقض بالعبد : لأنه يقطع سارقه إذا سرقه وهو صغير أو كبير نائم ، ولأن ما قطع في يابسة قطع في رطبه كالغز والثياب ، وأن أبا حنيفة فرق بين رطب الفواكه ويابسها في وجوب القطع ، وسوى بين طري اللحم وقديده ، وطري السمك ومملوحه في سقوط القطع ، وهذا تناقض ، ولأن الطعام الرطب ألذ وأشهى ، والنفوس إلى تناوله أدعى فكان بالقطع أولى . فأما قوله : " لا قطع في ثمر ولا كثر " فلأنه غير محرز : لأن ثمارهم كانت بارزة ، ولذلك قال : " فإذا آواه الجرين ففيه القطع " .

وحديث الحسن مرسل ، ويحمل - لو صح - على الطعام الرطب إذا كان في سنبله غير محرز كالثمر : لأن أبا حنيفة وافق على القطع في الحنطة إذا كانت محرزة .

وخبر عائشة رضي الله عنها محمول على ما كان تافه المقدار : لقلته لا لجنسه : لأن الطعام الرطب ليس بحقير .

وأما قولهم : إنه معرض للتلف ، ففيه جوابان :

أحدهما : أنه معرض للاستعمال دون البذل ، كما يستعمل الطعام اليابس ، وليس قلة بقائه موجبا لسقوط القطع فيه ، كالشاة المريضة يجب القطع فيها وإن لم يطل بقاؤها .

والثاني : أنه قياس جمع فيه بين المحرز وغير المحرز وهما مفترقان في وجوب القطع : لأن الحرز شرط ، وبالله التوفيق .

[ ص: 276 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية