الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وجملة الحرز : أن ينظر إلى المسروق فإن كان الموضع الذي سرق منه ينسبه العامة إلى أنه حرز في مثل ذلك الموضع ، قطع إذا أخرجها من الحرز . وإن لم ينسبه العامة إلى أنه حرز لم يقطع . ورداء صفوان كان محرزا باضطجاعه عليه ، فقطع عليه السلام سارق ردائه " .

قال الماوردي : وهذا هو الشرط الثاني في القطع : وهو الحرز . فلا يجب القطع إلا في السرقة من حرز ، والسرقة أخذ الشيء على سبيل الاستخفاء ، فإن جاهر بأخذه غصبا أو نهبا واختلاسا ، فليس بسارق ولا قطع عليه .

وأما الحرز : فهو ما يصير المال به محفوظا على ما سنصفه . فإن كان المال في غير حرز فلا قطع فيه . فإذا استكمل هذان الشرطان مع ما قدمناه من قدر النصاب وجب القطع حينئذ ، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك .

وقال داود : لا اعتبار بالحرز ، والقطع واجب بالسرقة من حرز وغير حرز .

وقال أحمد بن حنبل : لا اعتبار بالسرقة والاستخفاء ، والقطع واجب على المجاهر بأخذ المال بغصب أو انتهاب أو اختلاس ، حتى لو خان أو جحد وديعة أو عارية وجب عليه القطع .

واستدل داود بقول الله تعالى : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما [ المائدة : 38 ] ، فكان على عمومه . واستدل أحمد برواية ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما أن امرأة مخزومية كانت تستعير وتجحد ، فقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والدليل على داود قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا قطع في ثمر ولا كثر فأسقط القطع فيه : لأنه غير محرز ، ثم قال : فإذا آواه الجرين ففيه القطع لأنه قد صار حرزا به .

وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حريسة [ ص: 281 ] الجبل ، فقال : ليس في الماشية قطع ، إلا أن يأويها المراح ، ولا في الثمر قطع إلا أن يأويه الجرين وفي حريسة الجبل تأويلان :

أحدهما : يعني محروسة الجبل ، فعبر عن المحروسة بالحريسة ، كما يقال مقتولة وقتيلة .

والثاني : أنه أراد سرقة الجبل ، يقال : حرس إذا سرق . فيكون من أسماء الأضداد .

وروى بعض أصحابنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا قطع إلا من حرز وهو ضعيف ، ولأن الإنسان لا يقدر على حفظ ماله بنفسه أبدا ، فأقيمت الأحراز مقام الأنفس في الحفظ والصيانة .

والدليل على أحمد ، ما رواه ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس على الخائن ولا المختلس ولا المنتهب قطع وهذا نص ، ولأن السرقة مأخوذة من المسارقة وهو الاستخفاء ، فخرج منها المجاهر والجاحد ، فأما الآية فمخصوصه العموم بما ذكرنا .

وأما خبر المخزومية فإنما قطعها لأنها سرقت .

وقولهم : كانت تستعير الحلي فتجحد ذكر على سبيل التعريف ، كما قيل : مخزومية . ولم يكن قطعها بجحود العارية ، كما لم يقطعها لأنها مخزومية .

التالي السابق


الخدمات العلمية