الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو أخرج السرقة فوضعها في بعض النقب ، وأخذها رجل من خارج ، لم يقطع واحد منهما " .

قال الماوردي : وصورتها : في رجلين اجتمعا على سرقة ، فنقب أحدهما وأخذ الآخر ، فهذا على أربعة أضرب :

أحدها : أن يشتركا في النقب ، ويدخل أحدهما فيأخذ السرقة ويضعها في النقب ولا يخرجها منه ، ويأتي وهو خارج النقب فليأخذها ولا يدخل البيت ، فمذهب مالك : أنهما يقطعان : لأمرين :

أحدهما : أنهما قد صارا بالتعاون كالواحد .

والثاني : لئلا يصير ذلك ذريعة إلى أخذ الأموال وإسقاط الحدود ، وهذا القول قد حكاه الحارث بن سريج بن هلال النقال عن الشافعي في القديم .

ومذهب الشافعي في الجديد وأحد قوليه في القديم : أن لا قطع على واحد منهما ، فصار في وجوب قطعها قولان :

أحدهما : وهو الأضعف ، أنهما يقطعان للمعنيين المتقدمين .

[ ص: 293 ] والثاني : وهو الأصح ، أنهما لا يقطعان : لأمرين :

أحدهما : أن الداخل إلى الحرز ما أخرجها من جميعه ، والآخذ بها من النقب لم يأخذها من حرز ، فلم يوجد في واحد منهما شروط القطع فسقط ، ولهذا قال الشعبي : اللص الظريف لا يقطع .

والثاني : أنه لو أخذها غير المعاون ، لم يقطع واحد منهما ، كذلك إذا أخذها المعاون : لأن القطع لا يجب بالمعاونة وإنما يجب بالأخذ .

والضرب الثاني : ينفرد أحدهما بالنقب ولا يدخل الحرز ، ويدخل الآخر فيخرجها ولم يشارك في النقب ، فقد اختلف أصحابنا فيها فأجراها كثير منهم مجرى الضرب الأول ، وخرج وجوب قطعهما على قولين .

وقال أبو علي بن أبي هريرة وطائفة أخرى : إنه لا قطع على واحد منهما قولا واحدا : لأن كل واحد منهما تفرد بأحد شرطي القطع .

والضرب الثالث : أن يشتركا في النقب ، فيدخل أحدهما فيأخذ السرقة ويخرجها ، فيقطع مخرجها : لأنه جمع بين هتك الحرز والإخراج ، ولا يقطع الآخر : لأنه انفرد بالنقب دون الإخراج .

والضرب الرابع : أن يحضر واحد فينقب الحرز ويخاف الطلب فيهرب ، ويأتي آخر لم يشهد النقب فيدخله حين زاغ ، ويخرج السرقة منه ، فلا قطع على ناقب الحرز لا يختلف : لأنه لم يكن منه إلا النقب الذي لا يوجب القطع . وأما الآخذ لها : فإن كان النقب قد اشتهر وظهر فلا قطع عليه : لأنه سرق مالا من غير حرز ، وإن لم يشتهر ولم يظهر ففي وجوب قطعه وجهان :

أحدهما : لا قطع : لما ذكرنا .

والوجه الثاني : يقطع اعتبارا بظاهر الحرز ، وهكذا لو عاد الذي نقب بعد هربه من الطلب في ليلة أخرى فدخل الحرز وأخرج السرقة ، فإن كان بعد ظهور النقب وانتشاره لم يقطع ، وإن كان قبل ظهوره وانتشاره ، فعلى وجهين :

أحدهما : وهو الأظهر فيه أنه يقطع .

والثاني : وهو الأظهر في غيره : أنه لا يقطع .

التالي السابق


الخدمات العلمية