الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

فإذا تقرر المستحق في السرقة الأولى قطع كفه اليمنى ، ولا فضل بين أن تكون له يسرى أو لا تكون ، لذهابها بجناية أو علة .

وقال أبو حنيفة : إن كانت اليسرى مقطوعة ، أو قد قطع أكثر أصابعها ، أو ذهب أكثر منافعها ، لم تقطع اليمنى . وإن قطع منها إصبع واحد ، أو ذهبت أقل منافعها ، قطعت اليمنى .

وبناه على أصله : في أنه لا يجمع بين قطعهما في السرقة . وكذلك إذا ذهبت إحداهما ، لم يقطع الأخرى في السرقة .

ونحن نبنيه على أصلنا في جواز قطعها في السرقة ، وغير السرقة ، والكلام عليه يأتي . وإذا كان كذلك لم يخل حال كفه اليمنى من خمسة أقسام :

أحدها : أن تكون كاملة سالمة ، فتقطع على ما سنصفه من حال القطع ، فلو لم تقطع حتى ذهبت سقط بذهابها قطع السرقة : لذهاب ما استحق قطعه ، كما لو وجب قتله بالردة ، فمات سقط قتل الردة . ولو كان ذهابها لجناية استحق بها قودا أو دية ، كان للسارق أن يقتص بها من الجاني أو يأخذ ديتها ، وهو أحق بالدية ولا تؤخذ منه بدلا من قطعها في السرقة : لأن المستحق في السرقة القطع دون الدية ، وقد سقط بالفوات .

والقسم الثاني : أن تكون يمناه ناقصة الأصابع قد ذهب بعضها وبقي بعضها ، فتقطع ويجزئ قطعها ، ولو كان الباقي منها إصبعا واحدة . لأن اسم اليد ينطلق عليها مع نقصانها ، كما ينطلق عليها مع زيادتها ، وهي لو كانت زائدة الأصابع قطعت ، كذلك إذا كانت ناقصة الأصابع ، وهذا بخلاف القصاص الذي تعتبر فيه المماثلة ويعتبر في السرقة مطلق الاسم .

والقسم الثالث : أن تكون يمناه ذاهبة الأصابع كلها ، ولم يبق منها إلا كفها ، ففي قطعها في السرقة وجهان :

أحدهما : قد حكاه الحارث بن سريج ، عن الشافعي : أنها تقطع : لإطلاق اسم اليد عليها .

والوجه الثاني : لا تقطع ، ويصير كالذي لا يمنى له على ما سنذكره : لأن المقصود بقطعها أن يسلب به منفعتها ، وهذه لا منفعة ولا جمال بها .

والقسم الرابع : أن تكون يمناه شلاء لا يبطش بها ، فيسأل أهل الخبرة بها إذا قطعت ، فإن قالوا : إن عروقها بعد القطع تلتحم وتنسد ، قطعت في السرقة .

وإن قالوا : لا تلتحم ولا تنسد ، لم تقطع : لأن بقاء العروق على انفتاح أفواهها مفض إلى تلف نفسه ، وليس المقصود تلفه . [ ص: 321 ] والقسم الخامس : أن لا يكون له يمنى ، وتكون قد ذهبت قبل سرقته إما بجناية أو علة ، فلا يسقط قطع السرقة بذهابها ، بخلاف الذاهبة بعد سرقته .

والفرق بينهما : أن القطع قد تعين فيها إذا تأخر ذهابها فسقط بذهابها ، وإذا تقدم ذهابها تعين القطع في غيرها ، فلم يسقط بذهابها ، وإذا كان كذلك وجب العدول إلى قطع رجله اليسرى : لأن ذهاب اليمنى يجعل السرقة الأولى في حكم الثانية ، والمقطوع في الثانية رجله اليسرى دون اليد الأخرى ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية