الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولا على عبد سرق من متاع سيده " .

قال الماوردي : وأما إذا سرق العبد من مال غير سيده ، فإنه يقطع آبقا وغير آبق .

وقال مالك : لا يقطع إن كان آبقا ، وقد مضى الكلام معه .

فأما إذا سرق من مال سيده ، فلا قطع عليه وإن هتك به حرزا .

وقال داود : يقطع : احتجاجا بعموم الآية ، وكما يحد إذا زنا بأمة سيده ، كما يحد إذا زنا بأمة غيره ، وخالف الفقهاء فيه : احتجاجا برواية أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [ ص: 345 ] قال : " إذا سرق المملوك فبعه ولو بنش والنش : نصف أوقية عشرون درهما ، فأمر ببيعه ولم يأمر بقطعه .

وروى السائب بن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو الحضرمي ، أنه جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : اقطع هذا فإنه سرق . فقال : ما الذي سرق ؟ فقال : مرآة لامرأتي ، ثمنها ستون درهما . فقال : أرسله فليس عليه قطع ، خادمكم سرق متاعكم .

وروي مثله عن عبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر أنهما منعا من قطع عبد سرق من مال سيده ، وقالا : مالكم سرق مالكم . فصار إجماعا : لأنه لا مخالف لهم .

فإن قيل : فقد خالفهم سيد العبد حين سأل قطعه .

قيل : إنما يؤثر خلاف من كان من أهل الاجتهاد ، ولم يكن سيده منهم ، فلم يعد قوله خلافا .

ولأن نفقة العبد لما كانت مستحقة في مال سيده كانت شبهة له في سقوط قطعه ، كالوالد في مال الولد .

ولأن يد العبد يد لسيده ، فصار ما سرقه غير خارج عن يده فلم يقطع .

ولأن قطع السارق لحفظ مال المالك ، وفي قطع عبده في ماله استهلاك لماله ، فأما زناه بأمة سيده فلا يسقط فيه الحد : لأن الحرز فيه غير معتبر ، وثبوت اليد فيه غير مؤثر ، فخالف بذلك قطع السرقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية