الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولا على زوج سرق من متاع زوجته ولا على امرأة سرقت من متاع زوجها ، ولا على عبد واحد منهما سرق من متاع صاحبه : للأثر والشبهة [ ص: 346 ] ولخلطة كل واحد منهما بصاحبه . ( وقال ) في كتاب اختلاف أبي حنيفة والأوزاعي : إذا سرقت من مال زوجها الذي لم يأتمنها عليه وفي حرز منها ، قطعت ( قال المزني ) رحمه الله : هذا أقيس عندي " .

قال الماوردي : وكان وجملته أن أحد الزوجين إذا سرق من مال صاحبه على ضربين :

أحدهما : أن يكون من حرز قد اشتركا في سكناه ، فلا قطع على واحد منهما إذا سرق من الآخر ، سواء كان السارق الزوج أو الزوجة : لأن الحرز إذا اشتركا فيه كان حرزا من غيرهما ولم يكن حرزا منهما ، فصار سارقا لمال من غير حرز ، فلم يجب عليه القطع . ولو سرقه غيره قطع : لأنه سارق له من حرز .

والضرب الثاني : أن يكون المال من حرز لم يشتركا في سكناه ، ففي قطع كل واحد منهما إذا سرق من صاحبه ، ثلاثة أقاويل :

أحدها : وهو الذي نقله المزني هاهنا أنه لا قطع على واحد منهما إذا سرق من مال صاحبه . وبه قال أبو حنيفة .

والقول الثاني : نص عليه الشافعي في اختلاف أبي حنيفة والأوزاعي : أنه يقطع كل واحد منهما إذا سرق من مال صاحبه . وبه قال مالك ، وهو اختيار المزني .

والقول الثالث : حكاه الحارث بن سريج النقال : أنه يقطع الزوج إذا سرق من مال زوجته ، ولا تقطع الزوجة إذا سرقت من مال زوجها . فإذا قيل بالأول لأنه لا قطع على واحد منهما ، فوجهه شيئان :

أحدهما : أن كل واحد منهما يتصرف غالبا في مال صاحبه ، فحقها في ماله وجوب النفقة ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة حين قالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح ، لا يعطيني ما يكفيني وولدي ، إلا ما أخذت من ماله سرا ، فهل علي في ذلك شيء ؟ فقال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروففأما حقه في مالها فقد [ ص: 347 ] اختلف أصحابنا فيه ، فقال البغداديون : هو ما قاله مالك وفقهاء المدينة : أن له الحجر عليها في مالها ، ومنعها عن التصرف فيه إلا عن إذنه . فصار هذا الاختلاف شبهة له في مالها .

وقال البصريون : هو ما يستحقه من منعها من الخروج لإحراز مالها ، فصار الحرز معه واهيا . وإذا قيل بالثاني أنه يقطع كل واحد منهما ، فوجهه شيئان :

أحدهما : أنه ليس بينهما إلا عقد ، والعقد لا يمنع من وجوب القطع كالإجارة .

والثاني : أن نفقتها معاوضة كالأثمان ، وديون المعاوضات لا توجب سقوط القطع كسائر الديون . وخالفت نفقات الوالدين والمولودين : لخروجها عن حكم المعاوضة . وإذا قيل بالثالث أنه يقطع الزوج ولا تقطع الزوجة ، فوجهه شيئان :

أحدهما : أن نفقة الزوجية تستحقها الزوجة على الزوج ، فصارت شبهة للزوجة دون الزوج .

والثاني : أنها في قبضة الزوج : لقوله تعالى : الرجال قوامون على النساء [ النساء : 34 ] ، فصار ما في يدها من سرقة الزوج كالباقي في يد الزوج ، فلم تقطع فيه وقطع في مالها : لأنه فيه بخلافها .

التالي السابق


الخدمات العلمية