الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : ومن لم يقتل ولم يأخذ المال لم يجب عليه حد ، وعزر لخروجه في الحرابة ، كما يعزر المتعرض للزنا بالقبلة والملامسة ، والمتعرض للسرقة بفتح الباب وهتك الحرز ، وهل يتعين جنس تعزيره أم لا ؟ على وجهين : أحدهما : لا يتعين ، ويعزر الإمام بما يراه من ضرب أو حبس أو نفي ، كسائر ما يقتضي التعزير . وعلى هذا لو رأى الإمام ترك تعزيره والعفو عنه جاز . والوجه الثاني : أن تعزيره متعين بالحبس : لأنه أكف له عن أذية الناس ، اقتداء بعمر بن الخطاب رضي الله عنه . وعلى هذا لو رأى الإمام ترك تعزيره لم يجز ، إلا أن تظهر توبته . واختلف من قال بهذا من أصحابنا ، هل يحبس في بلده أو غير بلده ؟ على وجهين : أحدهما : يحبس في بلده : لأن الحبس مانع ، وهذا مذهب أبي حنيفة . والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس بن سريج يحبس في غير بلده : لأن النفي في الحرابة منصوص عليه ، وهو زيادة في حد الزنا : لما فيه من ذل الغربة بالبعد عن أهله [ ص: 360 ] والوطن . ويشبه أن يكون مذهب مالك . واختلف من قال بالحبس في تقديره على وجهين : أحدهما : أنه غير مقدر بمدة ، ويعتبر فيه الإنابة وظهور التوبة . والوجه الثاني : أنه مقدر : لأنه قد أقيم في الحرابة مقام الحد ، واختلف القائلون بذلك في مقداره على وجهين : أحدهما : وهو قول أبي عبد الله الزبيري أنه مقدر بستة أشهر لا ينقص منها ولا يزاد عليها : لئلا يزيد على تغريب الزنا في حد العبد . والوجه الثاني : وهو الظاهر من قول أبي العباس بن سريج أنه مقدر بسنة ينقص فيها ولا يزاد عليها : لئلا يزيد على تغريب الحد في حد الزنا ، وينقص منه ولو بيوم : لئلا يبلغ بما ليس بحد حدا ، كما لا يبلغ بالضرب في التعزير أدنى الحدود .

التالي السابق


الخدمات العلمية