الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا تماثل قطع القصاص وقطع الحرابة في الأطراف ، فقطع المحارب اليد اليمنى والرجل اليسرى ، وأخذ المال فوجب به قطع يده اليمنى ورجله اليسرى . فإن قيل : إن قطعه في القصاص منحتم ؛ روعي أسبق الأمرين ، فإن تقدم قطع المال على قطع القصاص ، قطع قصاصا وسقط قطع المال : لتقدم حق الآدمي في الدم على حق الله تعالى فيه . وإن تقدم قطع القصاص على قطع المال ، فقطع قصاصا ولم يسقط قطع المال ، فلم يعدل فيه إلى قطع يده اليسرى ورجله اليمنى ، كمن أخذ المال وليس له يد يمنى ولا رجل يسرى : لأن استحقاق القصاص فيها حتم ، فصار كعدمهما ، فعدل في قطع المال إلى غيرهما . ولو تقدم استحقاق قطعهما للمال لم يعدل فيه إلى غيرهما : لأنه ما وجب ابتداء إلا فيهما . وإن قيل : إن قطع القصاص غير منحتم . خير وليه بين القصاص والعفو ، فإن عفا عنه قطع للمال ، وإن لم يعف عنه قطع قصاصا ، وسقط قطع المال ، سواء تقدم استحقاقه أو تأخر : لأن قطع المال ورد على طرف يجوز أن يقطع فيه إذا لم ينحتم أخذه في غيره ، فلم يجز أن يعدل فيه إلى غيره . وإذا انحتم لم يجز أن يقطع فيه ، فجاز العدول إلى غيره . ولو قطع المحارب اليد اليمنى ، ثم أخذ المال ، قطعت يمناه قصاصا ، وصار بعد قطعها فيه كمن ذهبت يمناه بأكلة ، فهل [ ص: 368 ] يجزئ في قطع المال أن يقتصر على قطع رجله اليسرى أم لا ؟ على وجهين مضيا : أحدهما : وهو قول أبي حامد الإسفراييني ، يجزئ أن يقتصر عليها وحدها . والوجه الثاني : وهو أصح ، أنه لا يجزئ ويعدل عنها إلى قطع يده اليسرى ورجله اليمنى ، كمن ذهب يده اليمنى ورجله اليسرى . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية