الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ومن عفا الجراح كان له ، ومن عفا النفس لم يحقن بذلك دمه ، وكان على الإمام قتله إذا بلغت جنايته القتل " . قال الماوردي : قد ذكرنا أن القصاص في قتل الحرابة منحتم ، وفي انحتامه في جراح الحرابة قولان : أحدهما : لا ينحتم ، فعلى هذا : هل يراعى فيه المكافأة من المجروح للجارح ؟ فإن كافأه اقتص منه ، وإن لم يكافئه تفرد بأخذ الأرش . والقول الثاني : إنه منحتم ، فعلى هذا : هل تراعى فيه الكفاءة أم لا ؟ على قولين كالقصاص في النفس : أحدهما : لا يراعى ، ويكون القصاص فيه على انحتامه . والقول الثاني : يراعى فيه الكفاءة ، فعلى هذا : إن كافأه انحتم القصاص فيه ، وإن لم يكافئه سقط القصاص ووجب الأرش للجروح ، وصار موقوفا على خياره في استيفائه وعفوه : لأنه يصير سقوط القصاص جاريا مجرى الأموال ، فلو كان الجرح مما يجب القصاص في بعضه ولا يجب في جميعه كالهاشمة . فإن قيل : إن القصاص في الجراح غير منحتم كان المجروح مخيرا بين ثلاثة أمور : بين أن يقتص من الإيضاح ، ويأخذ أرش الهشم خمسا من الإبل . وبين أن يعفو عن القصاص إلى الأرش ، فيأخذ دية الهاشمة عشرا من الإبل . وبين أن يعفو عن الأمرين . فإن قيل : إن القصاص في الجراح منحتم ، انحتم القصاص في إيضاح الهاشمة في حق الله تعالى وحق المجروح ، وكان أرش هشمها خمسا من الإبل مستحقا للمجروح : لسقوط القصاص فيه ، فلم يهدر بغير قصاص ولا أرش .

التالي السابق


الخدمات العلمية