الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت أن للتوبة تأثيرا في إسقاط الحدود في الحرابة وغير الحرابة ، فالتوبة مختلفة فيها ، فتكون في الحرابة بإظهارها قولا حتى يقترن بها الكف ، وإن لم يقترن بها إصلاح العمل . ولا تكون التوبة في غير الحرابة بإظهارها قولا حتى يقترن بها إصلاح العمل في زمان يوثق بصلاحه فيه . والفرق بينهما من وجهين : أحدهما : نص . والثاني : معنى . فأما النص فقوله في الحرابة : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم [ المائدة : 34 ] ولم يشترط الإصلاح فيها ، وقال في غير الحرابة في آية السرقة : فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه [ المائدة : 39 ] وفي آية الزنا : فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما [ النساء : 16 ] بشرط الإصلاح فيها . [ ص: 371 ] وأما الفرق بينهما في المعنى فمن وجهين : أحدهما : أن المحارب مجاهر فقويت توبته ، وغير المحارب مساير فضعفت توبته . والثاني : أن التقية منتفية عن توبة المحارب : لخروجه عن القدرة ، فزالت التهمة عنه إن تظاهر بها بخوف وحذر . والتقية متوجهة إلى غير المحارب : لدخوله تحت القدرة ، فلحقته التهمة في الظاهر بها من خوف وحذر ، حتى يقترن بها من إصلاح العمل ما تزول به التهمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية