الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا من فرق ما بين الحرابة وغير الحرابة في شروط التوبة وسقوط الحدود بها في الحالين ، وجب تفصيلها وشرح الحكم فيها . فنقول : أما التوبة بعد القدرة ، فلا تأثير لها فيها في إسقاط حد ولا حق : لأن الله تعالى جعلها مشروطة بعدم القدرة على أهلها بقوله تعالى : إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم [ المائدة : 34 ] ، فلم يثبت حكمها مع وجود القدرة وعدم الشرط ، وأما التوبة قبل القدرة عليهم فهي المؤثرة في سقوط حدود الحرابة ، وفي إسقاطها لحدود غير الحرابة قولان ، فأما حدود الحرابة فتنقسم ثلاثة أقسام : أحدها : ما اختص بالحرابة ، وهو ثلاثة أشياء : انحتام القتل ، والصلب ، وقطع الرجل . فيسقط بالتوبة انحتام قتله ويصير موقوفا على خيار الولي ، ويسقط صلبه وقطع رجله في أخذ المال . والقسم الثاني : ما لا يختص بالحرابة ، فيكون حكمه فيها وفي غيرها سواء وهو حد الزنا ، وشرب الخمر ، وقطع السرقة ، ففي سقوطه بالتوبة في الحالين قولان . والقسم الثالث : ما اختلف فيه ، وهو قطع اليد وأخذ المال في الحرابة ، فيه وجهان : أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه غير مختص بالحرابة : لأنها تقطع بأخذ المال في غيرها . فعلى هذا : يعتبر فيها التوبة المشروطة في غير الحرابة ، وفي سقوطه بها قولان . والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن قطعها مختص بحدود الحرابة : لأنها للمجاهرة بأخذ المال ، وتقطع في غير المحاربة : للإسرار بأخذ المال ، فاختلف موجبهما . فعلى هذا : يعتبر فيها توبة الحرابة ويسقط قطعها قولا واحدا ، كما يسقط بها قطع الرجل . فأما حقوق الآدميين من الدماء والأموال وحد القذف ، فلا يسقط بالتوبة في الحالين ، ووهم بعض أصحابنا فأسقط بها حد القذف : لأنه لا يرجع إلى بدل . وهذا خطأ : لأن حقوق الآدميين تتنوع ، وجميعها في الاستحقاق متماثل ، والله أعلم . [ ص: 372 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية