الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

فإذا كان المقطوع مولى عليه بصغر أو جنون ، فلا اعتبار بإذنه : لارتفاع حكمه . وللقاطع حالتان :

إحداهما : أن يكون ممن لا ولاية عليه بنسب ولا حكم ، فالقود عليه واجب لتعديه ، سواء كان في قطعها صلاح أو لم يكن . وإن عفا عن القود كانت الدية حالة في ماله .

والحال الثانية : أن يكون للقاطع ولاية عليه ، فلا يخلو حاله من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تكون ولايته بسلطنة .

والثاني : أن تكون ولايته بنسب .

والثالث : باستنابة .

فأما القسم الأول : وهو أن يكون الوالي سلطانا ، فعلى ضربين :

أحدهما : أن يكون قطعها أخوف من تركها ، فالقود فيها على السلطان واجب : لأنها جناية منه .

والضرب الثاني : أن يكون تركها أخوف من قطعها ، ففي وجوب القود عليه قولان :

أحدهما : لا قود عليه : لأنها من مصالحه ، وعليه الدية : لأنها من خطئه .

والقول الثاني : عليه القود : لأنه عجل من تلفه ما كان مؤخرا ، فهذا حكم السلطان إن لم يكن إماما كالأمير والقاضي .

وإن كان إماما فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :

أحدهما : أنه في وجوب القود عليه كغيره ، من أمير وقاض : لعموم ولاية جميعهم .

والوجه الثاني : وأشار إليه أبو إسحاق المروزي أنه لا قود عليه ، بخلاف غيره لأمرين :

أحدهما : أنه من التهمة أبعد .

والثاني : أن ولايته أعم . [ ص: 430 ] وإذا وجبت الدية ، فإن قيل : باستحقاق القود عليه ، كانت دية عمد تجب في ماله حالة ، ولا تكون على عاقلته ، ولا في بيت المال .

وإن قيل : إن القود لا يستحق كان دية عمد شبه الخطأ : لأنه عامد في فعله مخطئ في قصده ، وأين تكون الدية ؟ على قولين :

أحدهما : على عاقلته .

والثاني : في بيت المال .

وأما القسم الثاني : أن يكون الوالي عليه مناسبا له كالأب والجد ، فلا قود عليه : لأنه لا يقاد والد بولده ، وينظر في قطعها فإن كان تركها أخوف من قطعها ، فلا ضمان عليه ، بخلاف السلطان : لأمرين :

أحدهما : أنه من التهمة أبعد .

والثاني : أنه لمصالحه أخص .

وإن كان قطعها أخوف من تركها ، ففي ضمانه للدية وجهان :

أحدهما : يضمنها : لما ذكرنا من الأمرين .

والثاني : يضمنها : لظهور المصلحة في تركها .

وهل تكون دية عمد تتعجل في ماله ، أو دية خطأ شبه العمد تؤجل على عاقلته ؟ على وجهين .

وأما القسم الثالث : أن يكون الوالي عليه مستنابا ، وهم صنفان وصي أب ، وأمين حاكم ، وفيهما وجهان :

أحدهما : أن القود عليهما في الأحوال واجب : لاختصاص ولايتهما بماله دون بدنه .

والوجه الثاني : أنه يجري عليه حكم من استنابهما : لقيامهما بالاستنابة مقامه ، فإن كان وصي أب أجري عليه حكم الأب إذا قطعها ، وإن كان أمين حاكم أجري عليه حكم الحاكم إذا قطعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية