الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل :

فإذا ثبت وجوب الختان في الرجال والنساء ، فهو من الرجال يسمى إعذارا [ ص: 433 ] وفي النساء يسمى خفضا ، ويسمى غير المعذور من الرجال أغلف وأقلف . وإعذار الرجل : هو قطع القلفة التي تغشى الحشفة ، والسنة أن تستوعب من أصلها ، وأقل ما يجزي فيه ألا يتغير بها شيء من الحشفة .

وأما خفض المرأة : فهو قطع جلدة تكون في الفرج ، فوق مدخل الذكر ومخرج البول على أصل كالنواة ، تؤخذ منه الجلدة المستعلية دون أصلها ، روى ثابت ، عن أنس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا أم عطية إذا خفضت فأشمي ، ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه ، وأحظى عند الزواج .

وقوله : " أشمي " أي : لا تبالغي .

وفي قوله : " أسرى للوجه ، وأحظى عند الزواج " تأويلان :

أحدهما : أصفى للون .

والثاني : ما يحصل لها في نفس الزوج من الحظوة بها .

وللختان وقتان : وقت استحباب ، ووقت وجوب . فأما وقت الاستحباب : فما قبل البلوغ .

والاختتان : أن يختتن في اليوم السابع : لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن اختتان المولود في اليوم السابع ، وفيه يعق عنه ، وختن الحسن والحسين عليهما السلام في اليوم السابع .

واختلف أصحابنا ، هل يحتسب فيها يوم الولادة أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة يحتسب يوم الولادة ، ويختتن في السابع منه .

والوجه الثاني : وهو قول الأكثرين لا يحتسب به ، ويختتن في السابع بعد يوم الولادة .

وهكذا روي ختان الحسن والحسين ، أنه كان في اليوم السابع بعد يوم الولادة ، فإن اختتن قبل السابع كرهناه ، وإن أجزأ لضعف المولود عن احتماله ، سواء في ذلك الغلام أو الجارية .

فإن أخر عن اليوم السابع المستحب بعده أن يختتن في الأربعين يوما : لأن فيه أثرا . فإن أخر عنه فالمستحب بعده أن يختتن في السنة السابعة : لأنه الوقت الذي يؤمر فيه بالطهارة والصلاة ، ويميز بين أبويه . فإن لم يختتن حتى بلغ ، صار وقت الختان فرضا ، يتعين عليه فعله في نفسه ، ويؤخذ به جبرا في أول أوقات إمكانه . [ ص: 434 ] ولا يؤخر عما ذكرناه من وقت الاستحباب أو وقت الإيجاب ، إلا لعذر في الزمان من شدة حر أو برد ، أو لعذر في بدنه من شدة مرض يخاف على نفسه إن ختن ، فيؤخر إلى زوال العذر . فلو كان نضو الخلق وعلم من حاله أنه إن ختن تلف ، سقط فرض الختان عنه : لأنه لا تعبد فيما أفضى إلى التلف : لقول الله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقرة : 286 ] ، ولا يجوز أن يتولى ختان المولود إلا من كان ذا ولاية عليه بأبوة ، أو وصية ، أو حكم ، فإن ختنه من لا ولاية عليه ، فأفضى إلى تلفه ضمن نفسه . وإن ختنه ذو ولاية عليه كالأب أو الوصي أو السلطان فتلف نظر ، فإن لم يكن ذلك في زمان عذر ، لم يضمن نفسه : لأنه تلف من فعل واجب .

وإن كان في زمان عذر من مرض أو شدة حر أو برد ، قال الشافعي : ضمن نفسه . وقال في المحدود في حر أو برد أو مرض : إنه إذا مات لم يضمنه .

اختلف أصحابنا فيه على طريقتين :

إحداهما : الجمع بين الجوابين في الموضعين ، ونخرجهما على قولين :

أحدهما : يضمن في المحدود والمختون على ما نص عليه في المختون للتقدير بالزمان .

والقول الثاني : لا ضمان في المختون والمحدود على ما نص عليه في المحدود .

والطريقة الثانية : أن الجواب على ظاهر نصه في الموضعين ، فيضمن المختون ولا يضمن المحدود ، والفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أن الختان أخوف : لما فيه من قطع عضو وإراقة دم .

والثاني : أن وقت الختان متسع ، ووقت الحد يضيق .

فإذا وجب الضمان ، ففي قدر ما يضمنه وجهان :

أحدهما : وهو الظاهر من مذهب الشافعي يضمن جميع الدية : لأنها جناية منه .

والوجه الثاني : حكاه أبو حامد الإسفراييني : يضمن نصف الدية : لحدوث التلف عن واجب ومحظور ، فإن ضمن ذلك غير السلطان كان على عاقلته ، وإن ضمن السلطان فعلى قولين :

أحدهما : على عاقلته .

والثاني : في بيت المال ، وتلزمه الكفارة سواء ضمن جميع الدية أو نصفها : لأنه ضمن تلف نفس وإن تبعضت فيه الدية ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية