الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وله أن يفطر في أيام رمضان في سفره ويقضي . فإن صام فيه أجزأه ، وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في سفر " .

قال الماوردي : وهذا كما قال كل من جاز له القصر في سفره جاز له الفطر فيه لقوله تعالى : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر [ البقرة : 184 ] ، ولما روى حمزة بن عمرو الأسلمي قال : كنت رجلا أسرد الصوم فقلت : يا رسول الله ، أصوم في سفري أو أفطر ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر .

فإن أفطر في سفره فعليه القضاء لقوله تعالى : فعدة من أيام أخر [ البقرة : 184 ] .

وإن صام فيه أجزأه ، ولا إعادة عليه وهو قول جمهور الفقهاء . وقال داود بن علي لا يصح الصوم في السفر ، فإن صام [ فيه ] لم يجزه ، ووجب عليه القضاء .

وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس ، وأبو هريرة ، رضي الله عنهم ، تعلقا بقوله صلى الله عليه وسلم : ليس من البر الصيام في السفر وإذا لم يكن الصوم برا لم يجزه عن فرضه لأن الصوم قربة .

وبما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر فلما كان على المفطر في الحضر القضاء وجب أن يكون على الصائم في السفر القضاء : لأنه صلى الله عليه وسلم شبه أحدهما بالآخر ، وهذا خطأ : لقوله صلى الله عليه وسلم لحمزة بن عمرو الأسلمي : إن شئت فصم وإن شئت فأفطر .

[ ص: 368 ] ولقول عائشة ، رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره يصوم ويتم ويقصر .

ولحديث أنس بن مالك ، ولأن الفطر رخصة ، والصوم عزيمة ، وفعل العزيمة أولى من الأخذ بالرخصة ، وإذا ثبت جواز الصوم في السفر فلا يختلف أصحابنا أنه أولى من الفطر ، وأفضل : لأن الفطر مضمون بالقضاء ، وفواته غير مأمون ، فأما قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصيام في السفر " . فهذا ورد على سبب ، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم : مر برجل ، وقد أحدق به الناس ، فسأل عنه فقيل مسافر ، قد أجهده الصوم ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصيام في السفر " . وعندنا أن من أجهده الصوم ففطره أولى به .

وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " ، فالمراد به من لم ير الفطر في السفر جائزا .

التالي السابق


الخدمات العلمية