الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 435 ] باب صفة السوط

قال الشافعي رحمه الله : " يضرب المحدود بسوط بين السوطين لا جديد ولا خلق " .

قال الماوردي : وأما الضرب المشروع فيستحق من وجهين :

حد وتعزير .

فأما الحد المشروع فثلاثة حدود : حد الزنا مائة جلدة . وحد القذف ثمانون جلدة . وحد الخمر أربعون .

وأما حد الزنا والقذف : فيستوفى بالسوط ، وبه ورد الشرع .

وأما حد الخمر : فقد ذكرنا فيه وجهين :

أحدهما : بالسوط .

والثاني : بالثياب والنعال والأيدي .

وأما ضرب التعزير : فموقوف على اجتهاد الإمام : لأن تعزيره عن اجتهاد ، فيجوز أن يضرب بالثياب والنعال ، ويجوز أن يضرب بالسوط .

فأما صفة السوط الذي تقام به الحدود : فهو بين السوطين لا جديد فيتلف ، ولا خلق لا يؤلم : لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بزان فدعا بالسوط ، فأتي بسوط جديد لم تكسر ثمرته ، فقال : دون هذا . فأتي بسوط قد لان وانكسر . فقال : فوق هذا . فأتي بسوط بين السوطين لا جديد ولا خلق ، فحده به ، ثم قال : أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله ، فمن أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله : فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله عليه .

روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ضرب بين ضربين ، وسوط بين سوطين .

فأما صفة الضرب : فلا يكون شديدا قاتلا ، ولا ضعيفا لا يردع ، فلا يرفع باعه [ ص: 436 ] فينزل من عل ، ولا يخفض ذراعه فيقع من أسفل ، فيمد عضده ويرفع ذراعه : ليقع الضرب معتدلا .

قال ابن مسعود : لا يرفع ذراعه في الضرب فيرى بياض إبطه .

فأما السوط في ضرب التعزير : فإن لم يكن دون سوط الحد لم يكن فوقه . وقال أبو عبد الله الزبيري : يجوز أن يضرب في التعزير بسوط لم تكسر ثمرته فوق سوط الحد ، ويكون صفة الضرب فيه أعلى من صفته في الحد : لأن ذنوب التعزيز مختلفة ، فجاز أن يكون الضرب مختلفا . وهذا خطأ : لأن الحدود أغلظ ، فلما كان التعزير دونها في القدر لم يجز أن يكون فوقها في الصفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية