الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ويتقي الجلاد الوجه والفرج ، وروي ذلك عن علي رضي الله عنه " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، يجب في جلد الحدود أن يفرق الضرب في جميع البدن : ليأخذ كل عضو حظه من الألم ، ولا يجمعه في موضع واحد فيفضي إلى تلفه ، إلا في موضعين عليه أن يتقي ضربهما :

أحدهما : المواضع القاتلة كالرأس والخاصرة والقواد ، والنحر ، والذكر ، والأنثيين . [ ص: 438 ] والثاني : ما شانه الضرب وقبحه كالوجه : لرواية أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا جلد أحدكم أخاه فليجتنب الوجه والفرج .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للجلاد : اضرب وأوجع ، واتق الرأس والفرج .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تقبيح الوجه ، وعن ضربه ، وعن الوشم فيه .

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يسب رجلا ، وهو يقول : قبح الله وجهك ، ووجه من أشبهك . فقال صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا الوجه ، فإن الله تعالى خلق آدم على صورته . يعني على صورة هذا الرجل ، فلما نهى عن سب الوجه كان النهي عن ضربه أولى .

فأما ضرب التعزير ، فالمذهب أنه يفرق في جميع الجسد كالحد .

وقال أبو عبد الله الزبيري : يجوز أن يجمعه في موضع واحد من الجسد . وفرق بينه وبين الحد : بأنه لما لم يجز العفو عن الحد لم يجز العفو عن بعض الجسد ، ولما جاز العفو عن التعزير جاز العفو عن ضرب بعض الجسد . وهذا ليس بصحيح : لأن جمع الضرب مفض إلى التلف ، فلما منع منه في الحدود الواجبة كان المنع منه في التعزير المباح أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية