[ ص: 442 ] باب قتال أهل الردة وما أصيب في أيديهم من متاع المسلمين من كتاب قتل الخطأ .  
قال  
الشافعي   رحمه الله : " وإذا أسلم القوم ثم ارتدوا عن الإسلام إلى أي كفر كان في دار الإسلام أو دار الحرب ، وهم مقهورون أو قاهرون في موضعهم الذي ارتدوا فيه ، فعلى المسلمين : أن يبدءوا بجهادهم قبل جهاد أهل الحرب الذين لم يسلموا قط " .  
قال  
الماوردي      : قد ذكرنا أن  
المرتد عن الإسلام إلى غيره من الأديان لا يجوز أن يقر على دينه  ، سواء ولد على الإسلام ثم ارتد ، أو أسلم عن كفر ثم ارتد ، وسواء ارتد إلى دين يقر عليه أهله أم لا ، قال الله تعالى :  
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه     [ آل عمران : 85 ] ، وقال تعالى :  
ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم     [ البقرة : 217 ] .  
وروى  
الشافعي   ، عن  
سفيان   ، عن  
أيوب   ، عن  
عكرمة   ، قال :  لما بلغ  
ابن عباس   أن  
عليا   عليه السلام أحرق المرتدين قال : لو كنت أنا لم أحرقهم ولقتلتهم     : لقول النبي صلى الله عليه وسلم :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=922960من بدل دينه فاقتلوه  ولقول النبي صلى الله عليه وسلم :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=924815لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله     . فإذا ثبت أنه لا يقر على ردته فلا يخلو حاله من أحد أمرين :  
إما أن يكون واحدا مقهورا فقد مضى حكمه في وجوب قتله إن لم يتب .  
وإما أن يكونوا جماعة قاهرين ، فالواجب أن يبدأ بقتالهم قبل قتال أهل الحرب : لقول الله تعالى :  
قاتلوا الذين يلونكم من الكفار     [ التوبة : 123 ] فكان من عدل عن ديننا أقرب إلينا ، ولأن الصحابة أجمعوا على الابتداء بقتالهم حين ارتدوا بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ارتد ، وكان قد جهز جيش  
أسامة بن زيد   إلى  
الروم   فقال له الصحابة : لو صرفت الجيش إلى قتال أهل الردة . فقال : والله لو انثالت  
المدينة   سباعا علي ما رددت جيشا جهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدل احتجاج  
أبي بكر   عليهم بأنه لم يردهم : لأن رسول      
[ ص: 443 ] الله صلى الله عليه وسلم جهزهم على إجماعهم أن البداية بالمرتدين أولى ، ولأن  
الردة عن الإسلام أغلظ من الكفر الأصلي     : لثلاثة معان :  
أحدها : أنه لا يقر على ردته ، وإن أقر الكافر على كفره .  
والثاني : أنه بتقدم إسلامه قد أقر ببطلان الدين الذي ارتد إليه ، ولم يكن من الكافر إقرار ببطلانه .  
والثالث : أنه يفسد قلوب ضعفاء المسلمين ، ويقوي نفوس المشركين ، فوجب لغلظ حاله أن يبدأ بقتال أهله . فإذا أراد قتالهم لم يبدأ به إلا بعد إنذارهم وسؤالهم عن سبب ردتهم ، فإن ذكروا شبهة أزالها ، وإن ذكروا مظلمة رفعها ، فإن أصروا بعد ذلك على الردة قاتلهم ، وأجرى على قتالهم حكم قتال أهل الحرب من وجه ، وحكم قتال أهل البغي من وجه .  
فأما ما يساوون فيه أهل الحرب من أحكام قتالهم ويخالفون فيه أهل البغي ، فمن أربعة أوجه :  
أحدها : أنه يجوز أن  
يقاتلوا مدبرين ومقبلين  ،  
ولا يقاتل أهل البغي إلا مقبلين     .  
والثاني : يجوز أن  
يوضع عليهم البيان والتحريق ، ويرموا بالقرادة والمنجنيق  ، ولا يجوز ذلك في أهل البغي .  
والثالث :  
إباحة دمائهم أسرى وممتنعين  ، ولا يجوز ذلك في أهل البغي .  
والرابع :  
مصير أموالهم فيئا لكافة المسلمين  ، ولا يكون ذلك في أموال أهل البغي .  
وأما ما يوافقون فيه أهل البغي ، ويخالفون فيه أهل الحرب فمن أربعة أوجه :  
أحدها : أنهم  
لا يهادنوا على الموادعة إقرارا على الردة  ، وإن جاز مهادنة أهل الحرب .  
والثاني : إنه  
لا يجوز أن تؤخذ منهم الجزية ولا أن يصالحوا على مال يقروا به على الردة  ، وإن جاز ذلك في أهل الحرب .  
والثالث : أنه  
لا يجوز أن يسترقوا  ، وإن جاز استرقاق أهل الحرب .  
والرابع : أنه  
لا يجوز أن تسبى ذراريهم ولا تغنم أموالهم  ، وإن جاز ذلك في أهل الحرب . والله أعلم .