مسألة : قال  
الشافعي      : "  
وما أصاب أهل الردة من المسلمين في حال الردة وبعد إظهار التوبة في قتال وهم ممتنعون  ، أو غير قتال ، أو على نائرة ، أو غيرها سواء والحكم      
[ ص: 446 ] عليهم كالحكم على المسلمين لا يختلف في القود والعقل وضمان ما يصيبون . ( قال  
المزني      ) : هذا خلاف قوله في باب قتال أهل البغي . ( قال  
الشافعي      ) : فإن قيل : فما صنع  
أبو بكر   في أهل الردة ؟ قيل : قال لقوم جاءوه تائبين : تدون قتلانا ، ولا ندي قتلاكم . فقال  
عمر      : لا نأخذ لقتلانا دية . فإن قيل : فما قوله : تدون ؟ قيل : إن كانوا يصيبون غير متعمدين ودوا ، وإذا ضمنوا الدية في قتل غير عمد كان عليهم القصاص في قتلهم متعمدين . وهذا خلاف حكم أهل الحرب عند  
أبي بكر الصديق   رضي الله عنه ، فإن قيل : فلا نعلم منهم أحدا أقيد بأحد . قيل : ولا يثبت عليه قتل أحد بشهادة ، ولو ثبت لم نعلم حاكما أبطل لولي دما طلبه ،  
والردة لا تدفع عنهم قودا ولا عقلا  ، ولا تزيدهم خيرا إن لم تزدهم شرا . ( قال  
المزني      ) : هذا عندي أقيس من قوله في كتاب قتال أهل البغي يطرح ذلك كله : لأن  
حكم أهل الردة  أن نردهم إلى حكم الإسلام ،  
ولا يرقون ولا يغنمون كأهل الحرب  ، فكذلك يقاد منهم ويضمنون " .  
قال  
الماوردي      : أما  
ما أتلفه المرتدون وأهل البغي على المسلمين من دم ومال وهم في غير منعة  ، فمضمون عليهم بالقود في الدماء ، والغرم في الأموال . وما أتلفوه وهم في منعة والمنعة : أن لا يقدر الإمام عليه حتى يستعد لقتالهم ففي ضمانه على أهل البغي قولان مضيا في قتال أهل البغي .  
فأما ضمانه على أهل الردة : فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين :  
أحدهما : وهو قول  
أبي علي بن أبي هريرة   ،  
وأبي حامد الإسفراييني   ، وأكثر  
البغداديين   أن في وجوب ضمانه عليهم قولين كأهل البغي سواء .  
والوجه الثاني : وهو قول  
أبي حامد المروزي   ،  
وأبي القاسم الصيمري   ، وأكثر  
البصريين   أنه مضمون عليه قولا واحدا ، وهو مذهب  
أبي حنيفة   واختيار  
المزني      . وإن كان ضمان أهل البغي على قولين الفرق بينهما من وجهين :  
أحدهما : أن لأهل البغي تأويلا محتملا ، وليس لأهل الردة تأويل محتمل .  
والثاني : أن لأهل البغي إماما تنفذ أحكامه ، وليس لأهل الردة إمام تنفذ أحكامه .  
فإن قيل : بسقوط ضمانه عنهم وهو محكي عن  
الشافعي   في سير  
الأوزاعي   فوجهه :  قول  
أبي بكر الصديق   رضي الله عنه لأهل الردة : تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم . فقال  
عمر بن الخطاب   رضي الله عنه : لا نأخذ لقتلانا دية     . فسكت أبو بكر رضا بقوله ، ورجوعا إليه : لأنه عمل عليه . ولأن  
طليحة   قتل في ردته  
عكاشة بن محصن   وثابت بن أقرم   ، وفيهما يقول  
طليحة الأسدي   حين قتلهما :      
[ ص: 447 ] عشية غادرت  ابن أقرم   ثاويا  وعكاشة   الغنمي تحت مجال      أقمت له صدر الجمالة إنها  
معودة قبل الكماة نزال      فيوما تراها في الجلال مصونة  
ويوما تراها في ظلال عوال  
ثم أسلم ، فلم يؤخذ بدم واحد منهما ، ولأنه إسلام عن كفر فوجب أن يمنع ضمان ما استهلك في الكفر ، كأهل الحرب ، ولأن في تضمينهم ما استهلكوه تنفيرا لهم عن الإسلام وهم مرغبون فيه ، فوجب أن لا يؤخذوا بما يمنعهم من الدخول فيه . وإذا قيل بوجوب الضمان عليهم وهو الصحيح المنصوص عليه في أكثر الكتب فوجهه : قول  
أبي بكر   رضي الله عنه لأهل الردة : تدون قتلانا ولا ندي قتلاكم .  
فإن قيل : فقد عارضه  
عمر   ، فقال : لا نأخذ لقتلانا دية . قيل : يحتمل أن يكون  
عمر   رضي الله عنه قال ذلك تفضلا عليهم كعفو الأولياء ، فلم يكن فيه مخالفا لحكم  
أبي بكر      . فإن قيل : فقد عمل بقوله : لأنه لم يقتص منهم ولم يغرمهم .  
قيل : القصاص والغرم حق لغيره ولم يأته مطالب بحقه منه فمنعه ، فلم يكن في الشرك إسقاط للوجوب . ومن الاعتبار : أن كل من ضمن ما أتلفه ، إذا لم يكن في منعة ضمن ، وإن كان في منعة كالمسلم طردا والحربي عكسا ، ولأن الردة إن لم تزده شرا ، لم تفده خيرا ، وهو  
يضمن قبل الردة ، فكان ضمانه بعدها أولى     .