الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 451 ] كتاب صول الفحل

باب دفع الرجل عن نفسه وحريمه ومن يتطلع في بيته .

قال الشافعي رحمه الله : " إذا طلب الفحل رجلا ولم يقدر على دفعه إلا بقتله ، فقتله لم يكن عليه غرم ، كما لو حمل عليه مسلم بالسيف فلم يقدر على دفعه إلا بضربه ، فقتله بالضرب أنه هدر . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل دون ماله فهو شهيد فإذا سقط عنه الأكثر : لأنه دفعه عن نفسه بما يجوز له كان الأقل أسقط " .

قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا خاف الإنسان على نفسه من طالب لقتله ، أو قاطع لطرقه ، أو جارح لبدنه ، أو خافه على ولده أو زوجته ، فله دفع الطالب على ما سنصفه وإن أفضى الدفع إلى قتله ، سواء كان الطالب آدميا مكلفا كالبالغ العاقل ، أو كان غير مكلف كالصبي والمجنون ، أو كان بهيمة كالفحل الصائل والبعير الهائج ، لما هو مأمور به من إحياء نفسه : لقول الله تعالى : ولا تقتلوا أنفسكم [ النساء : 29 ] ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله حرم من المسلم ماله ودمه .

ولما روي أن جارية خرجت من المدينة تحتطب ، فتبعها رجل فراودها عن نفسها ، فرمته بفهر فقتلته ، فرفع ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال : هذا قتيل الله ، والله لا يودى أبدا . ومعنى " قتيل الله " : أي : أباح الله قتله . وفي قوله : " والله لا يودى أبدا " تأويلان :

أحدهما : أنه خارج مخرج القسم بالله أنه لا يغرم ديته .

والثاني : أنه إخبار عن الله تعالى أن من أباح قتله لم يغرم ديته ، ولأن الطلب جناية وعقوبة الجاني مباحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية