الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وكان من مبادئ أمارات النبوة في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إجابة دعوة جده عبد المطلب ، حتى هلك أصحاب الفيل ، تخصيصا له بالكرامة حين خص بالنبوة في ولده ، ثم ظهر نور النبوة في وجه ابنه عبد الله ، حتى مر بكاهنة من كواهن العرب ، وهو يريد أن يتزوج أم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " آمنة بنت وهب " فرأت الكاهنة نور النبوة بين عينيه فقالت له : هل لك أن تقع علي ، ولك مائة ناقة من الإبل فقال :


أما الحرام فالممات دونه والحل لا حل فأستبينه     فكيف بالأمر الذي تبغينه
يحمي الكريم عرضه ودينه

ومضى لشأنه ، ونكح آمنة ، فعلقت منه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاد فمر بالكاهنة فعرض لها ، فلم تر ذلك النور ، فقالت : قد كان هذا مرة فاليوم لا ، فأرسلت مثلا . قال : ثم ولد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل ، على ما رواه أكثر الناس في شعب بني هاشم ، في جواء أبيه عبد الله بن عبد المطلب ، وتركوا عليه ليلة ولادته جفنة كبيرة ، فانفلقت عنه فلقتين ، [ ص: 5 ] فكان ذلك من مبادئ أمارات النبوة في نفسه ، ثم مات أبوه عبد الله وأمه حامل به ، فكفله جده عبد المطلب ، فكان يرى من شأنه ما يسره ، ومات بعد ثماني سنين من ولادته ، فوصى به إلى عمه أبي طالب : لأنه كان أخا عبد الله لأمه ، فخرج به أبو طالب إلى الشام بتجارة ، وهو ابن تسع سنين ، فنزل تحت صومعة بالشام عند بصرى ، وكان في الصومعة راهب يقال له " بحيرا " قد قرأ كتب أهل الكتاب ، وعرف ما فيها ، من الأنباء والأمارات ، فرأى بحيرا من صومعته غمامة قد أظلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الشمس فنزل إليه وجعل يتفقد جسده ، حتى رأى خاتم النبوة بين كتفيه ، وسأله عن حاله في منامه ، ويقظته فأخبره ، بها ، فوافقت ما عنده في الكتب ، وسأل أبا طالب عنه فقال : ابني فقال : كلا ، قال : ابن أخي : مات أبوه ، وهو حمل قال : صدقت ، وعمل لهم ولمن معهم من مشيخة قريش طعاما لم يكن يعمله لهم من قبل . وقال : احفظوا هذا من اليهود والنصارى ، فإنه سيد العالمين ، وسيبعث إلينا وإليهم أجمعين ، فإن عرفوه معكم قتلوه ، فقالوا كيف عرفت هذا ؟ قال : بالسحابة التي أظلته ، ورأيت خاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة على النعت المذكور ، فكانت هذه أول بشرى نبوته ، وهو لصغره غير داع إليها ولا متأهب لها .

التالي السابق


الخدمات العلمية