الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : ولما كان في العام المقبل حج من الأوس والخزرج سبعون رجلا ، وكان فيهم البراء بن معرور ، فصلى إلى الكعبة حين قدم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : لا أتركها وراء ظهري . ثم سأله عنها فقال له : قد كنت على قبلة لو صبرت عليها فعاد واستقبل [ ص: 20 ] بيت المقدس ، وكان أول من استقبل الكعبة ، وهو أول من أوصى بثلث ماله ، وواعدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقبة في أوسط أيام التشريق فيأتوا تلك الليلة في رحالهم ، ثم خرجوا منها بعد ثلاث ليال لموعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحضروا شعب العقبة ، ووافى رسول الله ومعه عمه العباس بن عبد المطلب وأبو بكر وعلي ، فأوقف العباس على فم الشعب عينا له ، وأوقف أبا بكر على فم الطريق الآخر عينا له ، وتلا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن ، وأخذ عليهم الإسلام فأسلموا جميعا ، وقد كان فيهم من لم يكن قد أسلم ، ثم قال للعباس وهو على دين قومه : خذ عليهم العهد وكانوا أخواله ؛ لأن أم عبد المطلب كانت سلمى بنت عمرو من بني النجار من الخزرج ، فقال العباس : يا معشر الخزرج إن محمدا منا في عز من قومه ، ومنعة في بلده وقد أبى إلا الانقطاع إليكم ، واللحوق بكم : فإن منعتموه مما تمنعوا منه أنفسكم ، وإلا فدعوه بين قومه ، وفي بلده ، فقال البراء بن معرور : بل نمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ، فقال أبو الهيثم بن التيهان : يا رسول الله إن بيننا وبين الناس حبالا يعني اليهود وإنا قاطعوها ، فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : لا بل الدم الدم ، والهدم الهدم أنتم مني وأنا منكم أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم . فأقبل أبو الهيثم بن التيهان على الأنصار ، وقال : يا قوم هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقا ، وأشهد بالله إنه لصادق ، وإنه اليوم لفي حرم الله ، وبين عشيرته ، واعلموا أنكم إن تخرجوه إليكم ترميكم العرب عن قوس واحدة : فإن كانت أنفسكم قد طابت بالقتال ، وذهاب الأموال والأولاد فادعوه ، وإلا فمن الآن . فقالوا : يا رسول الله اشترط علينا لربك ولنفسك ما تريد : فقال : أشترط لربي أن تعبدوه ، ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني عما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم فأجابوه وأحسنوا ، فقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله ، قد اشترطت لربك ولنفسك ، فماذا لنا إذا أوفينا لله ورسوله ؟ فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : لكم على الله الوفاء بالجنة فقال ابن رواحة : قد قبلنا من الله ما أعطانا ، ثم قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : اختاروا منكم اثني عشر نقيبا كما اختار موسى من قومه ، وقال للنقباء : أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ، ككفالة الحواريين ، يعني ابن مريم قالوا نعم : فبايعوه على هذا ، وكان أصغر من حضر سنا أبو مسعود البدري وجابر بن عبد الله .

واختلفوا في أول من بايعه ، فقال قوم : أبو الهيثم بن التيهان .

وقال آخرون : البراء بن معرور .

[ ص: 21 ] وقال آخرون : أسعد بن زرارة ، وكانت هذه البيعة على حرب الأحمر والأسود ، والبيعة الأولة - بيعة النساء - على غير حرب ، وعادوا إلى المدينة على هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية