الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا مر المسافر في طريقه ببلد له فيها دار ، أو مال ، أو ذو قرابة جاز له القصر فيه ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر في حجة الوداع مدة مقامه بمكة ، ومعه أكثر أصحابه ، ولهم بمكة دور ، ومال ، وقرابة ، فإن دخل بلدا ، أو نوى إن لقي فلانا أن يقيم فيه شهرا ، فإن لقيه قبل أربعة صار مقيما ووجب عليه إتمام الصلاة لأن سفره قد انتهى بلقائه ، فلم يجز له القصر بعد انتهاء سفره ، وإن لم يلقه ولا رآه كان له أن يقصرها تمام أربعة ، ثم يتم فيما بعد .

ولو سافر في ضالة له ، أو عبد آبق ليرجع أين وجده ، فبلغ غاية تقصر في مثلها الصلاة لم يكن له أن يقصر لأنه لم ينو في سفره بلوغ هذه الغاية ، وإنما علقه بوجود الضالة ، وجعل موضع وجودها غاية سفره ، وقد يجوز أن يجدها مع الساعات ، فصار كمن سافر إلى مكان لا يقصر في مثله الصلاة ، فإذا وجد ضالته وأراد الرجوع إلى بلده جاز له القصر إذا أخذ في الرجوع ، وكانت المسافة يقصر في مثلها الصلاة ، ولكن لو كان حين سافر في طلب ضالته ، ورد آبقه نوى القصر إلى بلد تقصر إلى مثله الصلاة كان له القصر ، فإن وجد ضالته في الطريق وعزم على الرجوع كان كالمسافر إذا بدا له في طريقه من إتمام سفره .

فلو كان سائرا في البحر فمنعته الريح من الخطوف ، والسير حتى رست السفينة مكانها ، أو أقامت انتظار السكون للريح وإمكان السير ، فهذا في حكم التاجر إذا أقام لبيع متاعه ، أو إنجازه أمره ، فله أن يقصر تمام أربعة أيام كوامل ، وفيما بعد الأربع على الأقاويل الثلاثة .

وإن استقامت لهم الريح فسارت السفينة على مكانها جاز له القصر عند ابتداء سيرها ، فإن رجعت الريح فركدت إلى موضعها الأول قصر تمام أربعة أيام ، ثم فيما بعد على الأقاويل الثلاثة : لأنه لا فرق بين أن تحبسها الريح في الموضع الأول أو في غيره نص الشافعي على ذلك في " الأم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية