مسألة : قال  
الشافعي   رضي الله عنه : " فإن  
خرج في آخر وقت الصلاة  قصر ، وإن كان بعد الوقت لم يقصر . ( قال  
المزني      ) : أشبه بقوله أن يتم ، لأنه يقول إن أمكنت المرأة الصلاة فلم تصل حتى حاضت ، أو أغمي عليها لزمتها ، وإن لم تمكن لم تلزمها ، فكذلك إذا دخل عليه وقتها      
[ ص: 376 ] وهو مقيم لزمته صلاة مقيم ، وإنما تجب عنده بأول الوقت ، والإمكان ، وإنما وسع له التأخير إلى آخر الوقت " .  
قال  
الماوردي      : وهذا كما قال إذا الرجل المقيم لا يخلو حال سفره من ثلاثة أقسام :  
إما أن يسافر قبل وقت الصلاة ، أو يسافر بعد الوقت ، أو يسافر في الوقت ، فإن  
سافر قبل دخول الوقت ثم دخل عليه وقت الصلاة في سفره  فله قصر تلك الصلاة إجماعا ، وإن  
سافر بعد خروج الوقت  وجب عليه إتمام تلك الصلاة في سفره فله قصر تلك الصلاة إجماعا ، وإن سافر بعد خروج الوقت وجب عليه إتمام تلك الصلاة ولم يجز أن يقصرها على ما سنذكره في موضعه .  
وإن سافر في وقت الصلاة فعلى أربعة أضرب :  
أحدها : أن  
يسافر في أول وقت الصلاة وقبل إمكان أدائها  فله أن يقصرها في سفره . لا خلاف بين أصحابنا إلا على قول  
أبي يحيى البلخي      .  
وإنما جاز له القصر ؟ لأنه أدى الصلاة في وقتها مسافرا فجاز له القصر قياسا على من دخل عليه وقت الصلاة في سفره .  
والضرب الثاني : أن  
يسافر وقد مضى من الوقت أربع ركعات  ، مذهب  
الشافعي   وكافة أصحابنا : له أن يقصرها ، ولا يلزمه إتمامها ، وقال  
المزني      : عليه إتمامها ، ولا يجوز له قصرها تعلقا بشيئين :  
أحدهما : أن الصلاة تجب عند  
الشافعي   بدخول الوقت ، وإمكان الأداء ، فإذا أمكنه الأداء بعد دخول الوقت وهو مقيم ، فقد وجبت عليه الصلاة تامة ، وإذا وجبت عليه الصلاة تامة لم يجز له القصر .  
والثاني : أنه قال : الحيض أقوى في إسقاط الصلاة من السفر : لأنه يسقط الصلاة بأسرها ، والسفر يسقط شطرها ، فلما تقرر أن الحيض إذا طرأ بعد دخول الوقت ، وإمكان الأداء وجبت الصلاة عليها ، ولم يكن الحيض مغيرا لحكمها ، كان حدوث السفر بعد إمكان الأداء أولى أن لا يغير حكم الصلاة . وهذا خطأ ودليلنا عموم قوله تعالى :  
وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة     [ النساء : 101 ] . ولأنه سافر يحل لمثله القصر فوجب أنه إذا كان مؤديا للصلاة أن يجوز له قصرها ، أصله إذا سافر قبل دخول الوقت ، ولأن وجوب الصلاة أول الوقت ، واستقرار وجوبها بإمكان الأداء ، وقدر الصلاة ، وكيفية أدائها معتبر بحال الأداء . ألا ترى لو  
زالت الشمس على عبد ، أو مريض  كان فرضهما الظهر أربعا ، فإن عتق العبد ، وبرأ المريض ، والوقت باق لزمهما الجمعة ، ولو دخل الوقت ، وهو صحيح كان فرضه الجمعة ، فإن  
مرض في الوقت قبل حضور الجمعة  كان فرضه الظهر أربعا اعتبارا      
[ ص: 377 ] بحال الأداء في الموضعين معا ، وكذلك إذا كان في حال أدائها مسافرا يجوز له القصر وإن وجبت عليه وهو مقيم ، وفي هذا جواب لما استدل به من وجوب الصلاة ، وما ذكره من الحيض فغير لازم لأن الحيض إذا طرأ منع من الأداء ، وإذا طهرت وجب عليها القضاء ، والسفر إذا طرأ لم يمنع من الأداء ، فلذلك لم يمنع من القصر لوجود الأداء ، وعدم القضاء فافترقا .  
والضرب الثالث : أن  
يسافر وقد بقي من وقت الصلاة قدر أدائها  ، فمذهب  
الشافعي   وعامة أصحابه جواز قصرها ، وقال :  
أبو الطيب بن سلمة      : يتم ، ولا يقصر : لأنه قد تعين عليه الأداء ليتعين عليه التمام وفارق أول الوقت لأنه لم يتعين عليه الأداء ، وما قدمناه من الدليل حجة عليه وليس لفرقه بين أول الوقت ، وآخره مع وجود الأداء في الموضعين وجه .  
والضرب الرابع : أن  
يسافر في آخر وقت الصلاة وقد بقي منه مقدار ركعة  ففيه قولان :  
أحدهما : وهو المنصوص عليه في كتبه وعليه عامة أصحابه يتم الصلاة ، ولا يقصرها لعدم الأداء في جميعها .  
والقول الثاني : نص عليه في الإملاء . وبه قال : يجوز قصرها ، ولأن الصلاة قد تجب بآخر الوقت في أصحاب العذر ، والضرورات كوجوبها في أوله فاقتضى أن يستويا في جواز القصر .