الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ غزوة المريسيع ]

ثم غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة المريسيع إلى بني المصطلق من خزاعة ، والمريسيع : ما كانوا نزولا عليه .

[ ص: 40 ] وسببها ورود الخبر أن سيدهم الحارث بن أبي ضرار يجمع قومه ، ومن قدر عليه من العرب لقصد المدينة ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم الاثنين الثاني من شعبان في ناس كثير من المهاجرين والأنصار ، وخرج معه كثير من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها ، وكان معهم ثلاثون فرسا : عشر منها للمهاجرين ، وعشرون للأنصار ، ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر ، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة ، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة ، ووصل إلى المريسيع وظفر بالقوم ، قيل : إنه شن الغارة عليهم بياتا . وقيل : بقتال ومحاربة ، فقتل منهم عشرة ، وأسر باقيهم ، فلم يفلت منهم أحد ، وسبى ذراريهم ، وكانوا مائتي ثيب ، واستاق نعمهم ، فكانت الإبل ألفي بعير ، والشاة خمس آلاف شاة ، فجعل البعير بعشر شياه ، وقسمهم بعد أخذ الخمس ، وأسهم فيها للفارس ثلاثة أسهم : سهما له ، وسهمين لفرسه ، وللراجل سهما واحدا . وكان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرسان : لزاز والظرب فلم يروا أنه أخذ إلا سهم فرس واحدة ، وكان في السبي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، وحصلت في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له ، فكاتباها على تسع أواق ذهبا ، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابتها فأداها عنها ، وتزوجها ، وجعل صداقها عتق كل أسير من قومها .

وقيل : عتق أربعين منهم ، ومن على أكثر السبي ، وقدم بباقيهم المدينة ، ففداهم أهلوهم حتى خلصوا جميعا ، وفيها تنازع جهجاه بن سعيد الغفاري من المهاجرين وسنان بن وبر من الأنصار على ماء ، فضربه جهجاه ، فتنافر المهاجرون والأنصار ، وشهروا السلاح ، ثم اصطلحوا ، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول ، إن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فذكر ذلك زيد بن أرقم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسار لوقته ، ووقف عبد الله بن عبد الله بن أبي على طريق المدينة ، فقال لأبيه : لا أفارقك حتى تزعم أنك الذليل ومحمد العزيز ، فمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : دعه ، فلنحسن صحبته ما دام بين أظهرنا .

وفي هذه الغزوة ضاع عقد لعائشة رضي الله عنها ، فأقام الناس على طلبه حتى أصبحوا على غير ماء ، فأنزل الله تعالى آية التيمم ، فقال أسيد بن حضير ليست هذه أول بركاتكم يا آل أبي بكر : فإنه ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله فيه مخرجا ، وللمسلمين فيه خيرا .

وفي هذه الغزوة كان حديث عائشة في الإفك حتى أنزل الله تعالى فيه ما أنزل ، وعاد إلى المدينة في هلال شهر رمضان بعد اثنين وعشرين يوما .

التالي السابق


الخدمات العلمية