الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : [ ذكر حوادث سنة تسع ]

ثم دخلت سنة تسع وبعث فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المصدقين إلى قبائل العرب : لأخذ الصدقة من أغنيائهم ، وردها على فقرائهم في هلال المحرم ، فبعث سرية ابن الحصيب الأسلمي إلى أسلم وغفار .

[ ص: 77 ] وبعث عباد بن بشر إلى سليم ومزينة .

وبعث رافع بن مكيث إلى جهينة .

وبعث عمرو بن العاص إلى بني فزارة .

وبعث إلى جيفر وعمرو ابني الجلندي من الأزد مصدقا فخليا بينه وبين الصدقة ، فأخذها من أغنيائهم ، وردها على فقرائهم ، وأخذ الجزية من مجوسهم .

وبعث الضحاك بن سليمان الكلابي إلى بني كلاب .

وبعث بشير بن سعد الكلبي إلى بني كعب ، وبعث ابن الدثنة الأزدي إلى بني ذبيان ، وأمر مصدقيه أن يأخذوا العفو منهم ، ويتوقوا كرائم أموالهم .

ثم بعث عيينة بن حصن إلى بني تميم في خمسين فارسا من العرب ، ليس فيهم مهاجر ولا أنصاري : فلما رأوه ولوا عنه : فأخذ منهم أحد عشر رجلا وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا ، وقدم بهم المدينة ، فأمر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحبسوا في دار رملة بنت الحارث ، فقدم فيهم من رؤسائهم عطارد بن حاجب ، والزبرقان بن بدر ، وقيس بن عاصم ، والأقرع بن حابس ، وقيس بن الحارث ، ونعيم بن سعد ، وعمرو بن الأهتم ، ورباح بن الحارث ، فنادوا : يا محمد اخرج إلينا ، فخرج إليهم ، فتعلقوا به يكلمونه فيهم ، فأمر بلالا فأقام وصلى الظهر ، ثم جلس في صحن المسجد ، فقدموا عطارد بن حاجب فتكلم وخطب ، وأمر ثابت بن قيس بن شماس فأجابهم ، ثم قالوا : يا محمد ائذن لشاعرنا ، فأذن : فقام الزبرقان بن بدر فأنشد :

نحن الكرام فلا حي يعادلنا منا الملوك وفينا تنصب البيع     وكم قسرنا من الأحياء كلهم
عند النهاب وفضل العز يتبع     ونحن نطعم عند القحط مطعمنا
من الشواء إذا لم يؤنس القزع     ثم ترى الناس تأتينا سراتهم
من كل أرض هويا ثم نطلع     فننحر الكوم عبطا في أرومتنا
للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا     فلا ترانا إلى حي نفاخرهم
إلا استقادوا وكاد الرأس يقتطع     إنا أبينا ولن يأبى لنا أحد
إنا كذلك عند الفخر نرتفع     فمن يقادرنا في ذاك يعرفنا
فيرجع القول والأخبار تستمع

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان بن ثابت : أجبه ، فقام حسان فأنشد :

[ ص: 78 ]

إن الذوائب من فهر وإخوتهم     قد بينوا سنة للناس تتبع
يرضى بها كل من كانت سريرته     تقوى الإله وكل الخير يصطنع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم     أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة     إن الخلائق فاعلم شرها البدع
إن كان في الناس سباقون بعدهم     فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
لا يرفع الناس ما أوهت أكفهم     عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا
إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم     أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا
أعفة ذكرت في الوحي عفتهم     لا يطبعون ولا يرديهم طمع
لا يبخلون على جار بفضلهم     ولا يمسهم من مطمع طبع
إذا نصبنا لحي لم ندب لهم     كما يدب إلى الوحشية الذرع
نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها     إذا الزعانف من أظفارها خشعوا
لا فخر إن هم أصابوا من عدوهم     وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع
كأنهم في الوغى والموت مكتنع     أسد بحلية في أرساغها فدع
خذ منهم ما أتوا عفوا إذا غضبوا     ولا يكن همك الأمر الذي منعوا
فإن في حربهم فاترك عداوتهم     شرا يخاض عليه السم والسلع
أكرم بقول الله شيعتهم     إذا تفرقت الأهواء والشيع
أهدي لهم مدحتي قلب يوازره     فيما أحب لسان حائك صنع
فإنهم أفضل الأحياء كلهم     إن جد بالناس مجد القول أو شمعوا

فلما فرغ حسان من شعره ، قال الأقرع بن حابس : وأبي إن هذا الرجل لمؤتى الحكمة ، لخطيبه أخطب من خطيبنا ، ولشاعره أشعر من شاعرنا ، ثم أسلموا ، وكانالأقرع وعيينة قد أسلما من قبل وشهدا حنينا ، فأجارهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورد عليهم الأسرى والسبي ، وفيهم نزل قوله تعالى : إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون [ الحجرات : 4 ] .

ثم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق من خزاعة مصدقا ، وكانوا قد أسلموا وبنوا المساجد ، فلما سمعوا بقدومه تلقوه بالجزور والنعم فرحا به ، فلما رآهم عاد إلى المدينة ، فأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم تلقوه بالسلاح ، ومنعوه الصدقة ، فهم بغزوهم حتى أتاه وفدهم ، فذكروا له ما كان منهم ، فأنزل الله تعالى : ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما [ الحجرات : 6 ] . الآية ، وأنفذ عباد بن بشر معهم ليأخذ صدقاتهم ويعلمهم شرائع الإسلام ، فأقام فيهم عشرا ، وعاد راضيا .

[ ص: 79 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية