الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وفي شهر ربيع الآخر من هذه السنة بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب سرية إلى طيئ له راية سوداء ولواء أبيض ، وأمره أن يهدم الفلس صنما لهم ، ويشن عليهم الغارة ، فشنها عليهم مع الفجر ، وسبى إبل حاتم ، وسبى بنته أخت عدي بن حاتم ، وهرب عدي بن حاتم إلى الشام ، واستاق النعم ، وهدم الفلس ، وكان في بيت الصنم سيفان لهما ذكر يقال لأحدهما رسوب ، وللآخر المخدم كان الحارث بن أبي شمر نذرهما له ، فصار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصفي ، وقسم النعم بعد إخراج خمسها ، وعزل آل حاتم حتى قدم بهم المدينة ، فعزلهم في حظيرة بباب المسجد فلما مر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قامت إليه أخت عدي بن حاتم ، وكانت امرأة جزلة فقالت : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هلك الوالد ، وغاب الوافد : فامنن علي من الله عليك ! فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من أنت ، فقالت : بنت الرجل الجواد حاتم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ارحموا عزيز قوم ذل ، ارحموا غنيا افتقر ، ارحموا عالما ضاع بين الجهال ، ثم قال لها : قد مننت عليك فلا تعجلي بالخروج حتى تجدي من ثقات قومك من يبلغك إلى بلادك ، فأقامت حتى قدم ركب من قضاعة تأمنهم ، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكساها وزودها وحملها حتى قدمت الشام على أخيها عدي بن حاتم ، فاستشارها في أمره ، فأشارت عليه بالقدوم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقدم عليه بالمدينة ، ودخل المسجد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أنت فقال : عدي بن حاتم ، فقام وانطلق به إلى بيته ، وأجلسه على وسادة وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأرض ، قال عدي : فعلمت حين فعل هذا أنه نبي وليس بملك ثم قال : لعلك يا عدي بن حاتم إنما منعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن المال يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعله إنما منعك من ذلك ما ترى من قلة عددهم وكثرة عدوهم : فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور البيت لا تخاف إلا الله ، ولعله إنما منعك من الدخول أنك ترى الملك والسلطان في غيرهم ، وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت . [ ص: 81 ] فأسلم عدي بن حاتم ، فكان يقول : مضت اثنتان وبقيت الثالثة ، والله لتكونن قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت ، ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف شيئا حتى تحج هذا البيت ، وايم الله لتكونن الثالثة ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه .

التالي السابق


الخدمات العلمية