الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : [ ذكر حوادث سنة إحدى عشرة تجهيز جيش أسامة ]

ثم دخلت سنة إحدى عشرة ، فيها جهز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش أسامة بن زيد إلى أهل أبنى ، وهي أرض السراة ناحية البلقان من أرض الشام .

قال أصحاب السير : لما كان يوم الاثنين السادس والعشرين من صفر ، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتأهب لغزو الروم ، فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد ، وقال : سر إلى موضع مقتل أبيك ، فأوطئهم الخيل ، فقد وليتك هذا الجيش ، فأسرع السير واسبق الأخبار ، وخذ معك الأدلاء ، وقدم العيون ، واغز صباحا على أهل أبنى : فأوطئهم الخيل فإن ظفرك الله بهم فأقلل اللبث . فلما كان من الغد وهو يوم الأربعاء الثامن والعشرين من صفر ، مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فحم وصدع ، فلما كان في يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ثم قال : اغز باسم الله ، في سبيل الله ، فقاتل من كفر بالله : فخرج بلوائه معقودا ، وعسكر بالجرف ، وانتدب معه وجوه المهاجرين والأنصار ، فيهم أبو بكر وعمر ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد ، فتكلم قوم من تأمير أسامة ، فخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذلك في يوم السبت العاشر من شهر ربيع الأول وهو معصب قد شد رأسه ، فصعد المنبر وقال بعد حمد الله والثناء عليه : بلغني عن بعضكم في تأميري أسامة بن زيد ، ولئن طعنتم فيه فقد طعنتم في تأمير أبيه من قبله ، وايم الله إن كان للإمارة لخليقا ، وإن ابنه من بعده لخليق بالإمارة ، وإنهما أهل لكل خير ، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم وعاد إلى منزله وجاء من انتدب معه من المسلمين يودعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويمضون إلى المعسكر بالجرف ، فثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول : أنفذوا بعث أسامة .

فلما كان يوم الأحد اشتد مرضه ، فدخل أسامة ، فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مغمورا ، وهو اليوم الذي كدوه فيه ، فقبل رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج إلى معسكره ، وعاد في يوم الاثنين ، ودخل عليه فوجده مغيبا ، فقال له : اغز على بركة الله ، فودعه أسامة وخرج إلى معسكره ، وأمر الناس بالرحيل ، فأنفذت إليه أم أيمن رسولا تقول له : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يموت فعد فأقبل ومعه عمر ، وأبو عبيدة فوجدوا [ ص: 91 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجود بنفسه ، فتوفي حين زاغت الشمس من يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، فدخل جيش أسامة بن زيد إلى المدينة ، فلما بويع أبو بكر بالخلافة أمر جيش أسامة بالخروج ، وأمر أسامة بالمسير إلى الوجه الذي أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمه المسلمون في حبسهم : لقتال أهل الردة ، فامتنع ، وقال : لا أستوقف جيشا أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمسير ، وسأل أبو بكر أسامة أن يأذن لعمر في التخلف عنه ففعل .

وسار بهم أسامة في هلال شهر ربيع الآخر إلى أهل أبنى في عشرين يوما ، فشن عليهم الغارة وقتل من أشرف منهم ، وقتل قاتل أبيه ، وسبى من قدر عليه ، وحرق عليهم منازلهم ، وأقام بقية يومه وعاد موفورا ، وما أصيب من المسلمين أحد وخرج أبو بكر - رضي الله عنه - مع المهاجرين والأنصار مستقبلين لهم سرورا بسلامتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية