الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ومن ظهر منه تخذيل للمؤمنين ، وإرجاف بهم أو عون عليهم منعه الإمام الغزو معهم : لأنه ضرر عليهم ، وإن غزا لم يسهم له " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، ينبغي للإمام أن يتفقد الغزاة إذا خرجوا حتى يغزو من يرجى نفعه ، ويرد من يخاف ضرره ، لقول الله تعالى : لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا [ التوبة : 47 ] . فيه تأويلان :

أحدهما : يعني : فسادا .

والثاني : اضطرابا ، ولأوضعوا خلالكم [ التوبة : 48 ] . فيه تأويلان :

أحدهما : لأوقعوا بينكم الاختلاف .

والثاني : لأسرعوا في تفريق جمعكم .

يبغونكم الفتنة [ التوبة : 47 ] . فيه تأويلان :

أحدهما : الهزيمة .

والثاني : التكذيب بوعد الرسول .

وفيكم سماعون لهم [ التوبة : 47 ] فيه تأويلان :

أحدهما : وفيكم من يسمع كلامهم ويطيعهم .

والثاني : وفيكم عيون منكم ينقلون إليهم أخباركم .

فإذا ثبت هذا فمن ذوي الأضرار المردودين من الغزو مع المسلمين من ذكره الشافعي وهم ثلاثة أصناف :

أحدها : من ظهر منه تخذيل المؤمنين بما تضعف به قلوبهم من تكثير المشركين وقوتهم ، وتقليل المؤمنين وضعفهم ، والإخبار بما يخاف من شدة حر أو برد أو عطش أو جدب ، وبما جرى مجرى هذه الأمور التي تضعف بها القلوب ، وتفضي إلى الهزيمة .

والصنف الثاني : من يرجف بالمؤمنين فينجو بهزيمتهم أو بمدد يرد بعدوهم أو بكمين لهم وراءهم ، أو أنهم قد ظفروا بأسرى أو سبوا ذراري أو قطعوا ميرة وما جرى مجرى هذه الأراجيف التي تفضي إلى الفشل والوجل .

والصنف الثالث : من يكون عونا للمشركين باطلاعهم على عورات المؤمنين ، وإرشادهم إلى أسباب الظفر ، وتحذيرهم من وقوع الضرر ، وإيواء عيونهم إذا وردوا ، والذب عنهم إذا ظفروا إلى ما جرى مجرى هذه المعونة لهم القوية لأمرهم فترد هذه [ ص: 130 ] الأصناف ومن شاكلها : لأن المقصود من الانتفاع بهم معدوم ، والمخوف من الضرر بهم موجود .

فإن قيل : فقد كان يغزو أمثال هؤلاء من المنافقين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقرهم ولا يردهم فهلا وجب الاقتداء به فيهم .

قيل : لأن الله تعالى قد خص رسوله من ذلك بأمرين عدما فيمن بعده من الولاة :

أحدها : ما يوحى إليه من مكر المنافقين : فيحترز منه .

والثاني : اختيار أصحابه بقوة الإيمان وتصديق الوعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية