الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وواسع للإمام أن يأذن للمشرك أن يغزو معه إذا كانت فيه للمسلمين منفعة ، وقد غزا - عليه السلام - بيهود من بني قينقاع بعد بدر ، وشهد معه صفوان حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك .

قال الماوردي : قد غزا النبي - صلى الله عليه وسلم - بيهود بني قينقاع بعد بدر ، وشهد معه صفوان [ ص: 131 ] حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك .

حكي عن مالك وأبي حنيفة أنه لا يجوز للإمام أن يستعين بمشرك على قتال المشركين ، احتجاجا بقول الله تعالى : وما كنت متخذ المضلين عضدا [ الكهف : 51 ] . وبقوله تعالى : لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض [ المائدة : 51 ] . وبما روى حبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة فأتيته ورجل آخر قبل أن نسلم ، فقلنا له : إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده ، فقال : أسلمتما ؟ قلنا : لا ، فقال : إنا لا نستعين بالمشركين على قتال المشركين ، فأسلمنا وخرجنا معه ، فشهدت ، فلقيني رجل ضربني فقتلته ، وتزوجت بنته ، فقالت لي : لا عدمت من وشحك هذا الوشاح ؟ فقلت : لا عدمت من ألحق أباك بالنار ؟ وهذا نص .

قالوا : ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستعن بمشرك في غزوة بدر مع قلة العدد ، فكان أولى أن لا يستعان بهم مع الكثرة وظهور القوة .

وذهب الشافعي - رحمه الله - إلى جواز الاستعانة بهم لقول الله عز وجل : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة [ الأنفال : 6 ] . فكان على عمومه : ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استغزى بعد بدر يهود بني قينقاع ، فغزوا معه ، وشهد معه صفوان بن أمية حنينا في شركه بعد الفتح في حرب هوازن ، واستعار منه سبعين درعا فقال : أغصب يا محمد ؟ قال : بل عارية مضمونة مؤداة ، وسمع رجلا يقول : غلبت هوازن وقتل محمد ، فقال : بفيك الحجر ، لرب من قريش أحب إلي من رب من هوازن : ولأن المشركين خول كالعبيد ، فجازت الاستعانة بهم والاستخدام لهم : ولأنهم إن قتلوا فعلى شرك وإن قتلوا فللمشرك فلم يكن للمنع وجه ، ولم يتخذهم عضدا فنمتنع منهم بالآية الأولى ، وإنما اتخذناهم خدما ولم نتخذهم أولياء ، فنمتنع منهم بالآية الثانية ، وإنما اتخذناهم أعوانا فأما الخبر محمول على أحد وجهين :

إما أن امتنع من ذلك تجوزا تحريضا على الإسلام وهكذا كان ، وإما لاستغنائهم عنهم وهكذا يكون .

وأما ترك إخراجهم إلى بدر فعنه ثلاثة أجوبة :

أحدها : أنه لم يأمنهم وهكذا حكم من لم يؤمن .

والثاني : أنه ما ابتدأ بالخروج للجهاد ، وإنما قصد أخذ العير ، وصادف فواتها قتال المشركين .

والثالث : أنه قد استعان بهم بعد بدر فكان ما تأخر قاضيا على ما تقدم .

[ ص: 132 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية