الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والقسم الثالث : أن يجعل لجميع من غزا معه ألف دينار فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون المال في الذمة ، فيدخل في الجعالة من المسلمين من غزا من المتطوعة دون مرتزقة أهل الفيء ، ويدخل فيها من المشركين أهل الذمة دون المعاهدين ، على ما ذكرنا في الجعالة المفردة ، ثم يقسم ذلك بين جميعهم من المسلمين ، وأهل الذمة ، على أعداد رءوسهم ، قلوا أو كثروا ، ولا يفضل مسلم على ذمي ، ولا من يسهم له على من لا يسهم له ، ولا يدخل فيها من العبيد المأذون لهم إلا من لا يدخل فيها سيده : لأنه يعود على سيده ، ولا يملك فيصير سيده بذلك مفضلا على غيره ، ووجوب التسوية بينهم تمنع من التفضيل ، بخلاف الجعالة المفردة .

وأما النساء فإن جعلت على القتال دخلن ، وإن جعلت على الغزو لم يدخلن كالجعالة المفردة .

فأما الصبيان فإن لم يدخل فيها أولياؤهم لم يدخلوا كالجعالة المفردة ، وإن دخل فيها أولياؤهم دخلوا بخلاف الجعالة المفردة : لأن العقد في الجعالة الجامعة واحد فدخلوا فيه تبعا ، وفي المفردة عقود فلم يكونوا فيه تبعا .

والضرب الثاني : أن يكون مال هذه الجعالة معينا فيقول : قد حصلت لجميع من غزا معي هذا المال الحاضر ، فيصح هذا سواء كان المال معلوما ، أو مجهولا : لأنه لما صح بالمعلوم لعدد مجهول صح بالمجهول ، ويكون الداخل في هذه الجعالة معتبرا بحكم المال ، وهو على ثلاثة أضرب :

أحدها : أن يكون من مال الصدقات فيخرج المشركون من هذه الجعالة : لأنه لا حق لهم في مال الصدقات ، ويدخل فيها المتطوعة من المسلمين دون مرتزقة أهل الفيء ، ولا يجوز أن يسترجع منهم إن لم يغزوا : لأنهم أخذوا ما يستحقونه بغير جعالة .

والضرب الثاني : أن يكون من مال المصالح وهو سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعد لمصالح المسلمين العامة ، فيدخل فيها متطوعة المسلمين ، وأهل الذمة من المشركين : لأنه مال يصح مصرفه إلى الفريقين ، فإن لم يغزوا استرجع ما أخذه المشركون ، ولم يسترجع ما أخذه المسلمون : لأنه مال مرصد لمصالح المسلمين دون المشركين .

والضرب الثالث : أن يكون المال من أربعة أخماس الفيء ففي هذه الجعالة المعقودة به قولان من اختلاف القولين في وجوب مصرفه :

[ ص: 136 ] أحدهما : أنها باطلة إذا قيل : إن مصرفه في الجيش خاصة : لأنه موقوف على أرزاقهم ، فإذا استوفوها لم يستحقوا غيرها ولم يستحقه غيرهم .

والقول الثاني : أنها جائزة إذا قيل : إن مصرفه في المصالح العامة ودخل فيها من المسلمين من عدا مرتزقة أهل الفيء ، سواء كانوا من أهل الصدقات أو لا .

فإن قيل : أفليس أهل الصدقة ممنوعين من مال الفيء ؟

قيل : إنما منعوا من أخذه بالفقر والمسكنة الذي يستحقون بهما الصدقة ، ولم يمنعوا من أخذه على عمل ، كما يجوز دفعه إليهم في بناء المساجد والحصون ، ولذلك دخل في هذه الجعالة الأغنياء والفقراء ، فأما المشركون فعلى ما قدمناه في دخول أهل الذمة فيها دون المعاهدين .

فإذا تقرر حكم الداخلين في هذه الجعالة فغزا بها من أخرجه حكم الشرع منها لم يخل حاله من أن يكون عالما بالحكم أو جاهلا ، فإن كان عالما به كان متطوعا لا شيء له : مسلما كان أو كافرا ، وإن جهل حكم الشرع فيه ففيه وجهان :

أحدهما : أن يستحق جعالة مثله ، ولا يستحق أجرة مثله : لأنه دخل في جعالة فاسدة ، ولم يدخل في إجارة فاسدة .

والوجه الثاني : لا شيء له : لأنه لم يدخل في الجعالة فيتوجه إليه حكم فسادها ، وقد كان يمكنه أن يستعمل حكم الشرع فيها فكان مفرطا وبغزوه متبرعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية