الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما رد السلام فيما ذكرناه من الأقسام فضربان :

أحدهما : أن يكون السلام على واحد ، ويكون رده فرضا متعينا على ذلك الواحد ، سواء كان السلام من مسلم أو كافر .

وقال عطاء : يجب رده على المسلم ، ولا يجب رده على الكافر ، والدليل على استوائهما في وجوب الرد عليهما - وإن اختلفا في صفة الرد - عموم قول الله تعالى : وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها [ النساء : 86 ] .

وفي هذه التحية تأويلان :

أحدهما : أنها الدعاء .

والثاني : السلام .

وفي قوله : فحيوا بأحسن منها أو ردوها ، تأويلان :

أحدهما : فحيوا بأحسن منها للمسلم أو ردوا مثلها على الكافر .

والثاني : فحيوا بأحسن منها بالزيادة على الدعاء أو ردوها بمثلها من غير زيادة .

والضرب الثاني : أن يكون السلام على جماعة ، فرده من فروض الكفايات على تلك الجماعة ، فأيهم تفرد بالرد سقط فرضه عن الباقين ، وكان المراد منهم هو المختص بثواب رده دونهم ، وإن أمسكوا عنه حرجوا أجمعين ، ولا يسقط الفرض عنهم برد غيرهم .

فأما صفة السلام وصفة الرد ، فهو مختلف باختلاف المسلم والراد ، وذلك ضربان :

أحدهما : أن يكون السلام بين مسلمين ، فصفته من المبتدئ بالسلام ، أن يقول : السلام عليكم ، سواء كان السلام على واحد أو على جماعة : لأن لفظ الجمع يتوجه [ ص: 148 ] إليه وإلى حافظيه من الملائكة ، وما زاد بعده من قوله : " ورحمة الله وبركاته " ، فهو زيادة فضل .

فأما رده فأقله أن يقابل عليه بمثله ، روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا تغار التحية . والغرار : النقصان . أي : لا تنقص من السلام إذا سلم عليك ، والسنة أن تزاد في الرد عليه ، روى الحسن البصري أن رجلا سلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : السلام عليكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليكم السلام ورحمة الله ، ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، ثم جاء آخر فقال : عليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليكم ، فقيل له : يا رسول الله : زدت الأول والثاني ، وقلت للثالث : وعليكم فقال : إن الأول والثاني أبقيا من التحية شيئا ، فرددت عليهما أحسن من تحيتهما ، وإن الثالث جاء بالتحية كلها فرددت عليه مثلها وإن كان السلام بين مسلم وكافر فضربان :

أحدهما : أن يكون الكافر مبتدئا بالسلام فيجب على المسلم رد سلامه ، وفي صفة رده وجهان :

أحدهما : أن يرد عليه المسلم فيقول : وعليك السلام ولا يزيد عليه " ورحمة الله و بركاته " .

والوجه الثاني : أن يقتصر في رده عليه بقوله وعليك : لأنه ربما نوى سوءا بسلامه وإن كان المسلم مبتدئا بالسلام ، ففي جواز ابتدائه بالسلام وجهان :

أحدهما : يجوز أن يبتدئ بالسلام : لأنه لما كان السلام أدبا وسنة كان المسلم بفعله أحق ، فعلى هذا يقول له المسلم : " السلام عليك " على لفظ الواحد ، ولا يذكره على لفظ الجمع كالمسلم ، ليقع به الفرق بين السلام على المسلم والكافر .

والوجه الثاني : لا يبدأ بالسلام حتى يبتدأ به ، فيجاب لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا تبتدئوا اليهود بالسلام ، فإن بدءوكم فقولوا : وعليكم ، فهذا وإن لم يكن من سنن الجهاد ، فهو من السنن والآداب ، فلم أستجز ذكره ، مع ذكر الشافعي له أن أخل باستيفائه ، والله الموفق للصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية